
أثر وقف التنفيذ على دعوى الالغاء: تحليل العلاقة والتأثير المتبادل
إن الأمر الصادر في دعوى وقف التنفيذ هو حكم قضائي بمعنى الكلمة له مقومات الأحكام القضائية وخصائصها وهو حكم قطعي يحوز لحجية فيما قضى به. وهنا نطرح السؤال هل أنه عديم الصلة بموضوع الدعوى الأصلي؟ أم هناك تأثير متبادل بين الحكم الصادر في دعوى وقف التنفيذ والحكم الصادر في دعوى الإلغاء؟ وما حدود هذا التأثير هل هو مطلق أم محدود؟ هذا من جهة. ومن جهة أخرى باعتبار أن الحكم بوقف التنفيذ هو حكم قطعي يمكن الطعن فيه استقلالا كما نصت عليه المادة 837 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فقرة أخيرة على إمكانية الطعن بالاستئناف في أمر وقف التنفيذ أمام مجلس الدولة خلال 15 يوم من تاريخ التبليغ. رغم أن المادة 936 من نفس القانون نصت أن الأمر الصادر تطبيقا للمواد 919 و 921 و 922 المتعلقة باختصاصات قاضي الاستعجال الإداري فيما يخص إمكانية وقف طلب التنفيذ والأمر به غير قابل لأي طريق طعن وهل هذا الحق مطلق؟ إن فهم أثر وقف التنفيذ على دعوى الالغاء ضروري للإجابة على هذه التساؤلات.
على مدى هذا السؤال سنحاول تقصي العلاقة بين الحكم بوقف التنفيذ والحكم الصادر في الدعوى الأصلية في المبحث الأول وتنفيذ الأمر الصادر في وقف التنفيذ في المبحث الثاني بالإضافة إلى طرق الطعن في هذا الأمر في مبحث ثالث.
المطلب الأول: أثر وقف التنفيذ في دعوى الإلغاء بشكل مباشر
إن الأمر الصادر بوقف التنفيذ منبت الصلة بموضوع الدعوى الأصلية فهو ليس أصل النزاع ولا يتعرض لموضوعه وأمر المحكمة (الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي) بوقف التنفيذ لا يعني قطعا أنه ستحكم في الموضوع بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه. وإنما ما يفيده هذا الأمر ويدل عليه أن الطعن في القرار يقدم على أساس جدي يبدو منه احتمال إلغاء القرار موضوعا. وكذلك إن أمرت المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ فليس معنى ذلك أنها سترفض فيما بعد الدعوى موضوعيا أي أنها سترفض الحكم بالإلغاء. إذ قد يكون رفض وقف التنفيذ مبينا على عدم توافر شرط الضرر المتعذر التدارك فلا ترى المحكمة (الغرفة الإدارية بالمجلس) مبررا لوقف التنفيذ إلا أنه عند النظر في الموضوع يبدو لها عيب القرار فتحكم بإلغائه1. مما يوضح بداية أثر وقف التنفيذ على دعوى الالغاء.
ولذلك تقرر محكمة القضاء الإداري وهي سبيل الفصل في هذا الطلب بتناول الموضوع فإن نظرتها له يجب أن تكون نظرة أولية لا تتعرض له بالقدر الذي يسمح لها بتكوين رأي في خصوص وقف التنفيذ دون أن تسبق قضاء الموضوع وتنتهي إلى تكوين عقيدة فيه.
وعلى الرغم من ذلك فإن قاعدة عدم التغلغل في الأوراق أو موضوع الدعوى في واقع الأمر مسألة غير مقطوع بها في القضاء المستعجل حيث يتعذر في الغالب بحث ركن الجدية دون التغلغل في بحث الواقع الذي سيطبق في شأنه أحكام القواعد القانونية. ولذلك فثمة علاقة تبادل في التأثير ما بين الحكم الصادر في الشق العاجل من الدعوى بإيقاف تنفيذ القرار الإداري وبين الحكم في الطلب الموضوعي بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه2.
وسيتم إظهار هذا التأثير المتبادل بين حكم وقف التنفيذ وحكم الإلغاء في دعوى الموضوع كما يلي:
قد يبدو غريبا بعد كل ذلك أن يكون للحكم بوقف التنفيذ تأثير على حكم الإلغاء إلا أن هذا الحكم وإن كان وقتيا فإنه يضع الخصوم في موضع نهائي من حيث الواقع في بعض الأحيان. كوقف تنفيذ قرار يمنع منح الرخصة فبمقتضى تنفيذ هذا الأمر يحصل المحكوم له على الترخيص. كما أن الأمر بوقف تنفيذ قرار منع الطالب من دخول الامتحان مقتضى تنفيذه السماح له بأداء الامتحان المطلوب ووقف تنفيذ قرار المنع من السفر فيتم تنفيذه بالسماح للمدعي بالسفر. ومن هنا يأتي تأثير مثل هذه الأوامر في هذه الحالات على طلب الإلغاء بعد أن حصل المدعي على الترخيص المطلوب وأقام البناء فعلا وبعد أن حصل الطالب على فرصة الامتحان وبعد أن سافر المدعي فعلا3. إن أثر وقف التنفيذ على دعوى الالغاء يتجلى بوضوح هنا.
إن الأمر قطعي في كثير من هذه الحالات فلقد ذهب بعض قضاء مجلس الدولة إلى اعتبار الخصومة منتهية في دعوى الإلغاء بتمام تنفيذ الأمر الصادر في الشق العاجل بعد أن أصبح الطلب غير ذات موضوع كحالة منع المدعي من دخول الامتحان ثم السماح له بالدخول فعلا. فقد ذهب البعض الآخر إلى أن العبرة في استقرار المركز القانوني للمدعي هي لا صدور حكم الإلغاء1 (جدید).
وقد أوضحت دائرة وقف التنفيذ بمجلس الدولة المصري ذلك سنة 1951 بقولها أن: “…وقف التنفيذ بمثابة إلغاء مؤقت للقرار الإداري وقيام ظروف واقعية يحتمل معها أن يتحول الإلغاء المؤقت إلى إلغاء نهائي إنما يرجع إلى الظروف الملابسة إلى عدم قابلية القرار الإداري في حد ذاته لوقف التنفيذ… فما دام قد طعن في القرار بالإلغاء وطلب وقف تنفيذه وما دامت نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها فإن للمحكمة أن تقضي بوقف التنفيذ متى رأت وجها لذلك لو قامت ظروف تجعل وقف التنفيذ أبلغ أثرا في قوة النفاذ المعجل للقرار الإداري وإلا لحرم المتقاضون من حق أعطاهم القانون إياه…”2 (جدید).
المطلب الثاني: أثر الفصل في دعوى الإلغاء في الأمر بوقف التنفيذ
لو أنه كان قد قضي بإيقاف تنفيذ القرار الإداري فإن مصير ذلك الأمر يرتبط ارتباطا وثيقا بصدور الحكم في الطلب الموضوعي3 (جدید) إذ أن الأمر يحتمل ما يلي:
1- إذا صدر الحكم في الدعوى الموضوعية – الإلغاء – برفضها:
فإنه من البديهي أنه يترتب على ذلك إنهاء أثر لهذا الوقف وهذا ما نصت عليه المادة 836 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في فقرتها الثانية بنصها: ينتهي أثر وقف التنفيذ بالفصل في دعوى الموضوع. وكذلك ما نصت عليه المادة 919 من نفس القانون بانتهاء أثر الأمر بوقف التنفيذ لمجرد الفصل في دعوى الموضوع – الإلغاء. وبالتبعية في هذه الحالة يصبح للقرار المطعون فيه بالإلغاء قوته التنفيذية دون حتى أن ينص على ذلك في الحكم الصادر بالرفض لأن أمر وقف التنفيذ أضحى بدون موضوع فلا ينفذ ولا يمنع من تنفيذ القرار الإداري4. يتجلى هنا أثر وقف التنفيذ على دعوى الالغاء بشكل عكسي.
2- إذا صدر الحكم – القرار – بإلغاء القرار الإداري:
فإنه يجعل طلب وقف التنفيذ ذات القرار بلا موضوع يؤدي إلى استمرار الحكم القاضي بالإيقاف من حيث الواقع (لأن وقف التنفيذ ما هو إلا إلغاء مؤقت للقرار إلى حين الفصل في دعوى الإلغاء5). والحلول محله من حيث القانون باعتبار أن الحكم القاضي بالإلغاء أصبح هو الواجب التطبيق بعد أن استنفذ الأمر بوقف التنفيذ الغرض منه.
ويذهب رأي الفقه إلى أن عدم نفاذ القرار الإداري في هذه الحالة احترام لحجية وقف التنفيذ التي لم ينقضها الحكم في الموضوع وإنما أيدها وقواها. إن أثر وقف التنفيذ على دعوى الالغاء يصبح هنا داعما لقرار الإلغاء.
3- إذا تنازل المدعي عن دعوى الإلغاء نفسها:
وهو ما يحدث عندما يشعر المدعي أنه قد استنفذ أهدافه من إقامة دعواه بحصوله على أمر بوقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه فيتنازل عن طلب الإلغاء ويترك الخصومة في الدعوى. والواقع أن هذا التصرف من جانب المدعي يفقده سنده ومركزه القانوني الذي تكون بنفاذ أمر وقف التنفيذ. ذلك أن الطلب يرتبط دائما بطلب الإلغاء وبالتالي فإن التنازل عن دعوى الإلغاء ذاتها ينسحب أثرها إلى الأمر بوقف التنفيذ فيزيل أثره.
ويظهر أثر ذلك التنازل عن طلب الإلغاء جليا لو كان أمر وقف التنفيذ للقرار لا يزال مطعونا فيه أمام محكمة الطعن وهو ما أرست بشأنه المحكمة الإدارية العليا المبدأ التالي: “إذا ثبت أن المدعي قد تنازل عن دعواه بقبوله ترك الخصومة في الدعوى فإن هذا التنازل من جانب المدعي عن دعواه يمتد في الواقع إلى طلب وقف التنفيذ ومن ثم يتعين القضاء بإلغاء الحكم الصادر بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبرفض الدعوى”2 (جدید2).
المراجع:
- حسني سعد عبد الواحد، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 202.
- حمدي ياسين عكاشة، “الأحكام الادارية في قضاء مجلس دولة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 322.
- حسني سعد عبد الواحد، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 202. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- حمدي ياسين عكاشة، “الأحكام الادارية في قضاء مجلس دولة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 322. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- عبد الغني بسيوني عبد الله، “وقف تنفيذ قرار اداري في احكام القضاء الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 155.
- حمدي ياسين عكاشة، “الأحكام الادارية في قضاء مجلس دولة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 323.
- حسني سعد عبد الواحد، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص203، ص 204.
- عبد الغني بسيوني عبد الله، “وقف تنفيذ قرار اداري في احكام القضاء الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 156.
- حمدي ياسين عكاشة، “الاحكام الادارية في قضاء مجلس دولة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 324.
- حمدي ياسين عكاشة، “الاحكام الادارية في قضاء مجلس دولة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 324، ص 325.
Add comment