مدون للمقالات الأكادمية

الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري: التطور القضائي والإجراءات

الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري: التطور القضائي والإجراءات

 

الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري: التطور القضائي والإجراءات

إذا عرض طلب وقف تنفيذ القرار الإداري على رئيس المحكمة الإدارية وفقا لإجراءات الاستعجال المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا سيما المادة 834 وما بعدها، ومنه فإن الفصل فيه يكون بأمر استعجالي. وإذا عرض على قاضي الموضوع وفق الإجراءات العادية فإن الفصل فيه يكون بحكم قضائي إداري (قرار المحكمة الإدارية). وفي حالة عرض الطلب على مجلس الدولة حسب الإجراءات المنصوص عنها في المادة 917 وما يليها فإن وقف التنفيذ يكون بقرار قضائي إداري صادر عن مجلس الدولة. يعتبر فهم الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري محورياً في هذا السياق.

الفرع الأول: تطور الاجتهاد القضائي الجزائري فيما يخص وقف تنفيذ القرار الإداري بأمر استعجالي إداري

عندما يرفع طلب وقف تنفيذ القرار الإداري بناء على دعوى استعجاليه أمام قاضي الأمور المستعجلة، الذي هو رئيس المحكمة الإدارية، تسجل الدعوى طبقا للمبادئ العامة التي تحكم تدابير الاستعجال المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية أمام القضاء. ويمكن أن تكون الجلسة من ساعة إلى ساعة والإدارة هي المدعى عليها عموما. فالأمر الإستعجالي القاضي بوقف تنفيذ القرار الإداري يكون بصيغة أمر وهو قابل للتنفيذ رغم الاستئناف والاعتراض على النفاذ المعجل. كما يمكن الأمر بالتنفيذ على المسودة وقبل تسجيل الأمر الإستعجالي. وبهذا الخصوص صدر اجتهاد عن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا تحت رقم 66014 بتاريخ 1991/03/10 المنشور بالنشرة القضائية لسنة 1997 عدد 51 صفحة 141 الذي جاء فيه أنه: “من المقرر قانونا أنه يجوز لقاضي الاستعجال الإداري الأمر بوقف تنفيذ قرار إداري شريطة أن لا يكون هذا القرار يمس النظام العام والهدوء العام”1. وتعتبر الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري عبر هذا المسار تطوراً هاماً.

والتساؤل الذي يثار في مثل هذه الحالة هو هل أن المدعي ملزم برفع دعوى الإلغاء أمام المحكمة الإدارية قبل اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة للمطالبة بوقف التنفيذ للقرار الإداري؟. إن موقف القضاء الجزائري في هذه النقطة متباين. فبعض الأوامر الإستعجالية تقضي برفض طلب وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه على أساس أن المدعي لم يقدم ما يثبت أنه سبق ورفع دعوى الإلغاء ضد القرار محل طلب وقف التنفيذ في حين أن البعض الآخر لا يشترط ذلك.

لكن عدم اشتراط المشرع الجزائري رفع دعوى الإلغاء قبل رفع الدعوى الإستعجالية المتعلقة بوقف التنفيذ يؤدي إلى عرقلة النشاط الإداري في الدولة. لأن الفرد عندما يريد عرقلة قرار إداري يرفع الدعوى الإستعجالية للمطالبة بوقف تنفيذه وعند الاستجابة لطلبه يتقاعس عن دعوى الإلغاء وقد يتعمد عدم رفعها لأن ذلك في صالحه. وعليه كان من الضروري اشتراط رفع دعوى الإلغاء قبل المطالبة بوقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه لأن مفعول الأمر الإستعجالي القاضي بوقف التنفيذ في حالة قبوله ينتهي بصدور القرار في موضوع الدعوى. ولقد أزال قانون الإجراءات المدنية والإدارية هذا اللبس وذلك وفقا لما ورد في نص المادة 2/8342.

ولقد صدر اجتهاد قضائي عن مجلس الدولة للغرف مجتمعة بتاريخ 2004/06/15 تحت رقم 018743 (قضية والي ولاية الجزائر) و(ع. ش. ومن معه) جاء فيه أن: “الهيئة المختصة بصلاحية الفصل في طلب وقف التنفيذ في المجلس القضائي هي الغرفة الإدارية بتشكيلتها الجماعية ولا يمكن في أي حال من الأحوال لقاضي الاستعجال أن يقرر بمفرده وقف التنفيذ ذلك لأن الغرفة الإدارية الفاصلة في الإلغاء هي نفسها التي لها صلاحية الفصل في هذا الطلب وبالتالي لا يمكن تقديمه منعزلا وإنما حتما بدعوى إلغاء سابقة أو متزامنة معه وإلا كان شكلا غير مقبول”3.

من خلال الاجتهاد القضائي الجزائري وبعد صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإنه قد وضع حدا لدور القاضي الإستعجالي الإداري – كقاضي فرد – فيما يخص الفصل في طلبات وقف التنفيذ الذي يجب أن يكون بقرار من المحكمة الإدارية بتشكيلتها الجماعية وفقا لنص المادة 836 ق إ م إ. وعليه فوقف التنفيذ لا يكون بناء على أمر استعجالي حتى ولو رفع وفقا لإجراءات الاستعجال. وبذلك يكون القضاء الجزائري قد وضع حدا للإشكاليات والتساؤلات المشار إليها آنفا في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم عند الحكم بوقف التنفيذ بأمر استعجالي وهو الأمر الذي كرسه المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد في مادته 836.

الفرع الثاني: وقف تنفيذ القرار الإداري بحكم أو قرار قضائي إداري

نميز في هذا الفرع بين القرار الصادر عن المحكمة الإدارية والقرار الصادر عن مجلس الدولة في سياق الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري.

أولا: وقف تنفيذ القرار الإداري بحكم صادر عن المحكمة الإدارية

عملا بنص المادة 836 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن التشكيلة التي تنظر في الموضوع كهيئة قضائية جماعية يجوز لها أن تقرر وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء أمامها بناء على طلب صريح من المدعي. حيث نصت المادة 836 السالفة الذكر على أنه: “في جميع الأحوال تفصل التشكيلة التي تنظر في الموضوع في الطلبات الرامية إلى وقف التنفيذ بأمر مسبب. ينتهي أثر وقف التنفيذ بالفصل في دعوى الموضوع”. ويتضح من خلال هذا النص أن المحكمة الإدارية يجوز لها أن تقرر وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه بصفة استثنائية وحكمها الصادر بوقف التنفيذ يكون بصيغة قرار وأن يكون المدعي هو الذي طلب صراحة وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه ويجب أن تتوفر فيه الحالة الاستثنائية التي تبرر وقف التنفيذ وعلى القاضي تسبيب قراره وأن لا يكون القرار الإداري المطالب بوقف تنفيذه ماسا بالنظام العام. كما يشترط أن يكون طلب وقف التنفيذ وارد في عريضة دعوى الإلغاء أو بعريضة مستقلة لاحقة لها لأنه لا يجوز للغرفة الإدارية أن تفصل في طلب وقف التنفيذ ما لم تكن دعوى فحص المشروعية معروضة عليها مسبقا. إلا أن القضاء المصري يشترط أن يرد الطلب في نفس عريضة دعوى الإلغاء وهذا ما قررته المحكمة الإدارية العليا المصرية وهو نفس الشيء في فرنسا1 (جدید). إن وقف التنفيذ بقرار من المحكمة الإدارية لا يتميز بالبطء لأن قاضي دعوى الإلغاء “قاضي الموضوع” يفصل في طلب وقف التنفيذ مستعينا بإجراءات الاستعجال وبالتالي اختلافه عن الفصل في طلب الإلغاء الذي يتسم بالبطء لأن القضية قبل الفصل فيها تتطلب تحضير تقرير والمداولة.

ثانيا: وقف تنفيذ القرار الإداري بقرار صادر عن مجلس الدولة

عملا بنص المادة 910 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يمكن لمجلس الدولة أن يأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه الذي يدخل في اختصاصه بموجب نص المادتين 800 و801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وكذلك أحكام القانون العضوي 01/98 المتعلق بمجلس الدولة. وتبعا لذلك فإن كل القرارات التي يطعن فيها بالإلغاء أمامه كأول درجة يمكن تقديم طلب وقف التنفيذ أمامه بتوفر شروطه وحالاته المشار إليها في الفصل الأول من هذا البحث في نفس عريضة دعوى الإلغاء أو في عريضة مستقلة لاحقة لدعوى الإلغاء وبعد ذلك يمكن لمجلس الدولة الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري بقرار صادر عنه. وتأكيدا لذلك فالقرار الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 2004/05/25 تحت رقم 017749 قضية (بلدية بسكرة) ضد ورثة (ق.ص) جاء فيه أن: “المقصود بالقرارات المطعون فيها القابلة للأمر بوقف تنفيذها طبقا لقانون الإجراءات المدنية في مادته 2/283 هي القرارات المطعون فيها بالإبطال أمام مجلس الدولة والقرارات الصادرة عن قضاة الدرجة الأولى المستأنفة أمامه”2 (جدید). هذه القرارات جزء هام من الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري.

فالقرارات الصادرة عن قضاة المحاكم الإدارية التي تقبل الاستئناف أمام مجلس الدولة يمكن كذلك المطالبة بوقف تنفيذها أمامه من قبل ذوي الشأن. وتجدر الإشارة أن طلبات وقف التنفيذ التي تعرض على مجلس الدولة هي من اختصاص رئيسه ويكون بصيغة أمر ولا يفصل بتشكيلة جماعية لأنه ينظر فيها وفقا لإجراءات الاستعجال دون المساس بأصل الحق لغاية الفصل في الاستئناف المعروض عليه (أي دعوى الإلغاء المرفوع أمامه).


المراجع:

  1. و جاء في نفس القرار انه من المقرر أيضا انه يجوز لكل متضرر من قرار رئيس المجلس الشعبي البلدي أن يطلب من قاضي الاستعجال الإداري طلب وقف تنفيذه و من ثم فان النعي على القرار المطعون فيه بمخالفة القانون غير وجيه و لما كان الثابت من قضية الحال أن المطعون ضدها لها حق مكرس تمثل في قرار تأسيسها و رخصة البناء التي تحصلت عليها فان القرار الإستعجالي الأمر بوقف القرار الصادر من البلدية المتضمن توقيف أشغالها يكون قد طبق القانون التطبيق الصحيح.
  2. تنص المادة 2/834 فقرة 02 من ق.إ.م.أ على أنه: “لا يقبل طلب وقف تنفيذ القرار الإداري ما لم يكن متزامنا مع دعوى مرفوعة في الموضوع، أو في حالة التظلم المشار إليه في المادة 830 أعلاه”.
  3. قرار مجلس الدولة رقم 018743 بتاريخ 2004/06/15 عن الغرف مجتمعة قضية والي ولاية الجزائر ع ش ومن معه، المنشور بمجلة مجلس الدولة، العدد 5، سنة 2004، انظر الملحق رقم 01.
  4. الأستاذ بشير بلعيد، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 183 و184.
  5. قرار مجلس الدولة بتاريخ 2004/05/25 تحت رقم 017749 المنشور بمجلة مجلس الدولة، العدد 5، لسنة 2004، ص 220.

Add comment

Follow us

Don't be shy, get in touch. We love meeting interesting people and making new friends.