مدون للمقالات الأكادمية

الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ: الأسس والمعايير القضائية

الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ: الأسس والمعايير القضائية

 

الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ: الأسس والمعايير القضائية

لقد سبق القول أن دعوى وقف التنفيذ هي دعوى استعجالية يطلب بموجبها أحد الأطراف استبعاد الأثر غير الموقف للطعن أمام الهيئات القضائية الإدارية كإجراء مؤقت وسريع لحماية مصلحة قبل أن تتعرض إلى نتائج يصعب تداركها. ويتعين أن تتوفر في الدعوى الاستعجالية شروط مجملها أقرها المشرع وكرسها القضاء والمتمثلة في شرط عدم المساس بأصل الحق وعنصر الاستعجال إضافة إلى شرط تقديم دفوع جدية ووجود دعوى إلغاء موازية. وهو ما سنتعرض إليه بالتفصيل من خلال المطلبين المواليين اللذين يوضحان الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ.

المطلب الأول: عدم المساس بأصل الحق وعنصر الاستعجال ضمن الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ

يعتبر كل من عدم المساس بأصل الحق وعنصر الاستعجال من الركائز الأساسية التي تحدد الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ.

1- عدم المساس بأصل الحق

تنص المادة 918 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: “يأمر قاضي الاستعجال بالتدابير المؤقتة لا ينظر في أصل الحق ويفصل في أقرب الآجال” وهذا ما يشترط في الدعوى الاستعجالية الإدارية بصفة عامة. غير أنه بالنظر إلى القانون الفرنسي الجديد1 الخاص بالقضاء المستعجل وحتى القديم2 وكذا في القانون المصري3 فإن المشرع لم ينص على هذا الشرط في دعوى وقف التنفيذ على غرار المشرع الجزائري. ذلك أن الطلب إذا كان وقتيا فإنه لا يمس أصل الحق وإذا مس الطلب أصل الحق فإنه لا يعتبر وقتيا. ومن ثم مفهوم المساس بالحق هو أثر حتمي لكون الطلب وقتيا ومتى رأى القاضي الاستعجالي أن حكمه سوف يمس أصل الحق وجب عليه الحكم بعدم اختصاصه.

والمقصود بالحق الممنوع على القاضي المستعجل المساس به هو السبب القانوني الذي يحدد حقوق والتزامات كل من الطرفين قبل الآخر فلا يجوز له أن يتناول هذه الحقوق والالتزامات بالتفسير أو التأويل الذي من شأنه المساس بموضوع النزاع وتغيير في مراكز الخصوم القانونية1 (جدید).

وبالتالي يقصد بأصل الحق كل ما يمس صحته أو يؤثر في كيانه أو يغير فيه أو في الآثار القانونية التي رتبها القانون أو التي قصدها المتعاقدان كأن ترفع دعوى بطلب تملك عين أو طلب تقرير ارتفاق أو فسخ عقد أو بطلانه فإنها خارجة عن اختصاص القاضي الاستعجالي لأن اختصاصه يقتصر على المحافظة على مصالح الأفراد القائمة أو المتوقع حدوثها أو صيانة موضوع الحق أو دليلا من أدلته2 (جدید). ومن هنا تظهر أهمية فهم الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ.

ومن هذا المنطلق تفهم فلسفة عدم النص على هذا الشرط حيث يعد شرطا بديهيا لأن طلب وقف تنفيذ قرار إداري يمس بأصل الحق هو الإلغاء أو التعديل. وبالتالي فنحن نرى التركيز على هذا الشرط من طرف الفقهاء الجزائريين هو من باب الإطناب حيث عرفنا دعوى وقف التنفيذ أنها دعوى هدفها الوقف المؤقت للقرار الإداري الذي يختصم في مشروعيته3 (جدید). حيث أن القاضي الإداري الاستعجالي لا يستطيع اتخاذ قرار الإبطال أو التعويض لأنها منوطة بقاضي الموضوع فهو يوقف تنفيذ القرار الإداري باستبعاد الأثر غير الموقف للطعن بالإلغاء فقط دون أن يفصل في مشروعيته.

وهو ما لم يركز عليه القضاء الإداري في الجزائر كما تم ذلك في الدعاوى الاستعجالية الأخرى بل أن الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا تطبق نظام وقف التنفيذ حتى في مسائل الضرائب5.

2- عنصر الاستعجال

يمثل الاستعجال أساس ومناط القضاء المستعجل الأساسي لأن القضاء المستعجل إجراء مخالف للقانون العام والاستعجال وحده هو الذي يبرر وجود هذا الإجراء الاستثنائي ومناط إجراءات القضاء المستعجل لأن سرعة الإجراء تتطلب قضاء متخصص وعدم حصر الاختصاص وتحديد قواعد إجرائية ذات طبيعة سريعة6. ويعتبر هذا العنصر حاسماً ضمن الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ.

ولقد نصت المادة 919 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الخاصة بسلطات قاضي الاستعجال على اختصاص القاضي الاستعجالي أنه: “عندما يتعلق الأمر….. يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمر بوقف تنفيذ هذا القرار أو وقف آثار معينة منه متى كانت ظروف الاستعجال تبرر ذلك…..”. دون أن توضح مفهوم الاستعجال. كذلك المادة 920 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم تحدد حالات الاستعجال على سبيل الحصر كما كان الحال في ظل قانون الإجراءات المدنية الملغى مما يترك المجال مفتوحا للاجتهاد القضائي ليحدد مفهوم الاستعجال حالة بحالة باعتباره أقرب إلى معايشة الواقع من المشرع الذي لن يستطيع مهما تنبأ أن يحصر حالات الاستعجال1 (جدید2).

أما المادة 49 فقرة 01 من قانون مجلس الدولة المصري فتضمنت أنه لا يجوز وقف تنفيذ القرار الإداري إلا إذا “رأت المحكمة نتائج يتعذر تداركها” والذي أخذ هذا التعبير “نتائج يصعب إصلاحها” ومن طرف المشرع الفرنسي المادة 45 الفقرة 04 من مرسوم 766-63 المؤرخ في 1963/07/30 المتعلق بتنظيم وعمل مجلس الدولة4.

والمشرع الفرنسي والمصري لم يعرف حالة الاستعجال أو حصرها على غرار المشرع الجزائري لذلك سيتم طرح مفهوم الاستعجال من طرف الفقه والقضاء هذا الأخير الذي وقع في خلاف كبير في تحديد معنى الاستعجال.

التعريفات التي أوردها الفقه: لا تعد مهمة تعريف الاستعجال مهمة سهلة ولعل الصعوبة في ذلك تكمن في خصوصية مفهوم الاستعجال ذاته نظرا للفكرة التي ينطوي عليها فهي فكرة متحركة متغيرة بحسب الظروف والمكان والزمان ولا يمكن إحاطتها في صيغة عامة.

إنها تمثل درجات متعددة وتظهر في أشكال مختلفة أنها في الأخير تمثل مفهوم شخصي ولا تسمح بتقدير متجرد مما أوجد الكثير من التعريفات الفقهية التي انطلقت من أمثلة الحالات الاستعجالية ومعاينة الحلول القضائية لها وسنعرض هذه التعريفات كل بحسب الزاوية التي انطلق منها.

  • فهناك من خلط بين الاستعجال والضرورة كتعريف Garçonnet et César (Brun): “الاستعجال هو الضرورة التي لا تتحمل تأخيرا أو أنه الخطر المباشر الذي لا يمكن اتقاؤه في رفع الدعوى عن طريق الإجراءات ولو مع التقصير في المواعيد”5 (جدید).
  • وهناك من ربط الاستعجال بعنصر التأخير كتعريف (Morel): “حالة الاستعجال تكون قائمة كلما ينتج عن التأخير في الفصل في النزاع لأحد أطراف النزاع”6 (جدید). وهو ما جاء في قاموس (Robert et Littré Larousse) حيث أن الاستعجال “الحالة التي لا تحتمل أي تأخير”. وأيد هذا التعريف د/ محمد حامد فهمي عندما قال: “الاستعجال يوجد في كل حالة يؤدي فيها التأخير في الإجراءات المؤقتة إلى فوات المصلحة وضياع الحق فضلا عن زوال المعالم”2 (جدید2).

إلى غير ذلك من التعريفات الأخرى التي لا يمكن حصرها. ومن التعريفات السابقة نستخلص أنه من الصعب وضع تعريف منطقي لأن الاستعجال ليس مبدأ ثابتا مطلقا وإنما هو حالة تتغير بتغير الظروف الزمانية والمكانية وتتلازم مع التطور الاجتماعي في الأوساط والأزمنة المختلفة. ويرى برونسس (PRONCES) أن عدم وجود تعريف محدد وموحد بحالة الاستعجال يؤدي إلى نتائج طيبة إذ أن ذلك يعني أن تكون للقاضي حرية واسعة في التقدير بحيث يأخذ في اعتباره ظروف كل دعوى الأمر الذي يجعله قادرا على إيجاد الحل المناسب على ضوء الوقائع المعروضة عليه4 (جدید2).

التعريفات التي أوردها الاجتهاد القضائي: لم يستقر القاضي الإداري في الجزائر بعد على نظرة موحدة واضحة تجاه عنصر الاستعجال ففي مفهوم المحكمة العليا فإننا (نكون أمام حالة استعجال كلما كنا أمام حالة يستحيل حلها فيما بعد) وكذلك نكون أمام حالة استعجال كلما كنا بصدد الإجراءات المتعلقة بهدم المباني الآيلة للسقوط…..إلخ. هذه الاجتهادات في ظل قانون الإجراءات المدنية أي قبل صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية إذ أنه ننتظر أن يوضح مجلس الدولة في اجتهاداته وقراراته المقصود بحالة الاستعجال وحالاته وفقا لقانون الإجراءات المدنية والإدارية. التأكيد على هذا العنصر ضروري لاستيفاء الشروط الموضوعية لوقف التنفيذ.


المراجع:

  1. Code de justice administrative, partie législative. (http://www.adminet.com/code/index-cysadmr.html)
  2. Michel Courtin, op.cit, p 04.
  3. سليمان محمد الطماوي، “القضاء الاداري، الكتاب الاول، قضاء الالغاء”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 864.
  4. معوض عبد التواب، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 78، ص79.
  5. بوغبة محمد، “هل يعتبر النزاع الجدي عائقا لسلطة قاضي الامور المستعجلة”، نشرة القضاة، مديرية الوثائق، 1980، ص 13.
  6. R. Khalloufi, op.cit, p 51.
  7. قرار رقم 37167 المؤرخ في 07/07/1948، قضت الغرفة الادارية وقف تنفيذ قرار بيع بالمزاد العلني في انتظار البت في دعوى البطلان، قرار غير منشور، نقلا عن مسعود شيهوب، “المبادئ العامة للمنازعات الادارية، نظرية الاختصاص، الجزء الثالث، ص 512.
  8. Ali Filali, l’urgence et la compétence de la juridiction des référés, thèse de magistaire, université d’Alger, institut des sciences juridiques et administratives, 1987, p 09.
  9. مسعود شيهوب، “المبادئ العامة للمنازعات الادارية، نظرية الاختصاص، الجزء الثالث”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 489.
  10. حمدي ياسين عكاشة، “القرار الاداري في قضاء مجلس الدولة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 108.
  11. Michel Courtin, op.cit, p 05. (المرجع مكرر ولكن قد يكون اقتباس مختلف)
  12. Ali Filali, op.cit, p 10. (المرجع مكرر ولكن قد يكون اقتباس مختلف)
  13. الغوثي بن ملحة، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 10.
  14. الغوثي بن ملحة، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 10. (مكرر لنفس المرجع السابق)
  15. محمد حامد فهمي، “مذكرة في المرافعات المدنية والتجارية”، الجزء الاول، 1949/1948، ص 59.
  16. معوض عبد التواب، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 46.
  17. بشير بلعيد، “القضاء المستعجل في الامور الادارية”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 33، ص 34.
  18. المحكمة العليا، الغرفة الإدارية، قرار رقم 89/921 المؤرخ بـ 22 مارس 1992، (قضية ح ج والي ….)، غير منشور، عن مسعود شيهوب، “المبادئ العامة للمنازعات الإدارية، نظرية الاختصاص، الجزء الثالث”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 489.

Add comment

Follow us

Don't be shy, get in touch. We love meeting interesting people and making new friends.