
القابلية للتنفيذ للقرار الإداري: الشروط والإشكاليات
القاعدة أن القرار الصالح للإلغاء يكون صالحا لوقف التنفيذ ولكن يشترط لقبول طلب الوقف أن يتعلق بقرار إداري ايجابي تنفيذي فلا يجوز الحكم بإيقاف تنفيذ قرار سلبي كقاعدة عامة ولكن ماذا لو كانت هذه القرارات السلبية قد عدلت المركز القانوني أو الواقعي للأفراد؟ هذه النقطة تمثل جوهر النقاش حول القابلية للتنفيذ للقرارات الإدارية السلبية.
أولا: وضع القرارات الادارية السلبية وتحديات القابلية للتنفيذ
القرار الإداري السلبي كما عرفه المشرع المصري في ذيل المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة هو: “رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح” وبالتالي سكوت الإدارة عن اتخاذ إجراء لا يوجب القانون اتخاذه أي ترك الأمر لتقديرها فإنه لا يشكل قرارا سلبيا2.
في فرنسا أثارت مسألة وقف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية جدلا في فقه القانون العام وإن كان أن معظم الطلبات الخاصة بوقف التنفيذ تقريبا تتعلق بقرارات ايجابية للإدارة وهي القرارات الإدارية التي تفرض التزاما وتحمل عبئا على عاتق أحد الأفراد أو تمنح ترخيصا أو تنقض أمرا معينا ويفسر وفرة القضاء المتعلق بالقرارات الإدارية الايجابية وليست السلبية بالرجوع إلى الواقع حيث تقوم السلطة العامة بفرض التزامات على الأفراد وهذا ما دعاهم إلى الالتجاء إلى القضاء ليتخلصوا من ضغط الدولة عليهم ونتج عن ذلك قيام القضاء الإداري الفرنسي بابتداع أوامر وقف تنفيذ القرارات الإدارية خارج سلطة الإلغاء لحماية المصالح الفردية للمتقاضين بصفة أساسية وهو ما يؤكد أهمية بحث القابلية للتنفيذ3.
وقد رفض الفقه الفرنسي وقف تنفيذ القرارات الإدارية السلبية التي تعتمد بالرفض للحجج التالية:
1- السند المنطقي للرفض وقضايا القابلية للتنفيذ
حيث يعتبر فكرة وقف تنفيذ قرار بالرفض فكرة خارقة وتعتبر إلى حد ما بدعة إذ كيف يمكن في الواقع أن يواجه وقف التنفيذ بالرفض؟ فالقرار السلبي ينفذ بنفسه وينتج آثاره ضد إصداره في الحال من جهة ومن جهة أخرى فإن فكرة وقف التنفيذ ذاتها تتضمن بطبيعتها قرارا جماعيا وهو عمل شيء ما بناء أو هدم عقار على سبيل المثال وهو ما يعقد القابلية للتنفيذ.
2- السند القانوني وأثره على القابلية للتنفيذ
يرتكز هذا السند على النصوص المتعلقة بالفصل بين السلطات الإدارية والقضائية وبالتالي الوظائف الإدارية والقضائية وهو ما كرسته المادة 13 من قانون 16 – 24 أوت لسنة 1790 ومرسوم 16 فريكاندور للسنة الثالثة وطبقا للقاعدة أنه لا يجوز للقاضي الإداري أن يوجه أوامر للإدارة كما يحضر مجلس الدولة دائما الحلول لكل الإدارات في ممارسة نشاطها وهكذا فإن مجلس الدولة يرى أنه لا يمكن الأمر بوقف تنفيذ قرار إداري سلبي.
أما في الجزائر فبصدور القانون 08-09 الذي يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية وفي مادته 919 التي نصت صراحة: عند ما يتعلق الأمر بقرار إداري ولو بالرفض “même le rejet” ويكون موضوع طلب إلغاء كلي أو جزئي يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمر بوقف تنفيذ هذا القرار…” وحسب رأينا المتواضع وباستقراء هذه المادة فإن هذه المادة خولت القاضي الاستعجالي بإلغاء أي قرار اداري ولو سلبي (بالرفض) وله أن يمنح وقف التنفيذ مع الالتزامات الناتجة عنه وكذا باتخاذ كافة الإجراءات التحفظية أخذا بعين الاعتبار توفر عنصر الاستعجال وكذلك في حالة وجود وجه خاص من شأنه إحداث شك جدي حول مشروعية القرار المطعون فيه بالموازاة بالإلغاء مما يعزز مبدأ القابلية للتنفيذ حتى في هذه الحالات.
ثانيا: عدم تمام التنفيذ وأثره على طلب الوقف
يشترط أن يرفع طلب وقف التنفيذ قبل تمام تنفيذ القرار لأنه إذا كان التنفيذ قد تم فعلا فلا يتصور إلا طلب الحكم بإلغاء القرار الإداري وهو حكم موضوعي وليس بحكم وقتي ويبدو أنه حتى في هذه المرحلة فلا يوجد خلاف في الرأي1 (جدید).
فالوقف يكون دون موضوع إذا نفذ القرار وأنتج كافة آثاره مثل قرار الطرد أجنبي وتم ترحيل هذا الأجنبي وهذا ما قرره فعلا مجلس الدولة الفرنسي في قرار مؤرخ في 18 جوان 1976 أن الوقف ممكن إلا بالنسبة للطرف الذي مازال القرار الإداري يستمر في إنتاج آثاره بالنسبة إليه2 (جدید) وهو ما يمس جوهر القابلية للتنفيذ.
ويطرح الإشكال إذا تم طلب وقف التنفيذ قبل تمام التنفيذ ولكن الإدارة نفذت القرار الإداري في الفترة الزمنية الفاصلة بين تقديم الطلب وبين الحكم فيه؟
المراجع:
- سامي جمال الدين، “الدعاوى الادارية و الاجراءات أمام القضاء الإداري”، الكتاب الأول دعاوى الالغاء، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1991، ص 388.
- حسين عبد السلام جارر، “الطلبات المستعجلة في قضاء مجلس الدولة”، دار الكتب القانونية، 1998، ص 156.
- عبد الغني بسيوني عبد الله، “وقف تنفيذ القرار الاداري في أحكام القضاء الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 32، 33.
- حسني سمير عب الواحد، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 196. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
- Georgs Vlaches, les principes généraux du droit administratif, Ellipses, 1993, p, 405; Gustave Peiser, op, cit, p, 198. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
Add comment