مدون للمقالات الأكادمية

القرار الإداري: تعريفه الشامل ومقوماته الأساسية

القرار الإداري: تعريفه الشامل ومقوماته الأساسية

 

القرار الإداري: تعريفه الشامل ومقوماته الأساسية

إن أهمية دراسة القرار الإداري تبرر في أنه محل لازم لأحد أبواب القانون الإداري الأساسي وهي دعوى الإلغاء وكون القرار الإداري الذي يجوز وقف تنفيذه هو القرار الذي يجوز إلغاؤه فلا بد إذن من قرار إداري مرفوق بطلب وقف التنفيذ لأنه لا يمكن وقف تنفيذ قرار إداري وهمي1 فالقرار الذي يجوز وقف تنفيذه هو قرار إداري وكذلك أن يكون قابل للتنفيذ مما يؤدي إلى تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين.

أولا: تعريف القرار الإداري وأبعاده

لم يضع المشرع الجزائري تعريفا صريحا للقرار الإداري في مختلف القوانين سواء النافذة أو التي تم إلغاؤها ولذا فإن وضع تعريف للقرار الإداري صار ملقى على عاتق القضاء والفقه.

فالقضاء المصري من جانبه عرف القرار الإداري في أحكامه الأولى بأنه: إفصاح من جانب الإدارة العامة يصدر صراحة أو ضمنا أثناء قيامها بأداء وظائفها المقررة لها قانونا في حدود المجال الإداري ويقصد منه إحداث أثر قانوني ويتخذ صفة تنفيذية2.

ومن التعاريف الموفقة حسب الفقه تعريف الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب والذي عرف القرار بأنه “عمل قانوني يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة” ويرى الفقه أن هذا التعريف لا يغفل عن شيء من المكونات الذاتية للقرار الإداري وهي:

  • فالعمل القانوني يعني في حد ذاته إحداث آثار قانونية خلافا لما يعتبر من الأعمال المادية للإدارة والتي لا تولد مثل هذه الآثار لذلك فعبارة “العمل القانوني لا تغني عن عبارة إحداث آثار قانونية لأنها تتضمنها4 ويخرج منها أيضا الأعمال غير المادية التي تصدر عن الإدارة دون أن تقصد منها ترتيب آثار قانونية مثل الأعمال التمهيدية أو التحضيرية المنشورات والتعليمات المصلحية5.
  • صدور هذا العمل بالإرادة المنفردة يميز القرار الإداري عن عقود الإدارة حيث تشترك في تكوينها إرادة أخرى مع إرادة الإدارة.
  • صدور هذه الإرادة عن السلطة الإدارية هو تحديد لازم لصفة متخذ القرار وحتى تتميز القرارات الصادرة عن السلطة الإدارية عن أعمال السلطات العامة الأخرى في الدولة من ناحية وعن عمل الأشخاص الخاصة من ناحية أخرى6.

كما أضاف بعض الفقهاء أن القرار الإداري تصرف قانوني يتسم بالنهائية ومعناه القرار الإداري الذي لا يجب بحكم القواعد المنظمة له استئنافها أو مناقشته أمام سلطة إدارية أعلى أو بعبارة أخرى هو القرار الذي يكون نافذا بمجرد صدوره دون حاجة إلى التصديق عليه من سلطة أخرى وبناء عليه لا تعد من قبيل القرارات الإدارية الأعمال التي تصدر من الأشخاص المعنوية العامة سواء كانت إقليمية أو مصلحية وتتطلب اعتماد السلطة الوصائية أو تصديقها فهذه الأعمال لا تعدو أن تكون مجرد أعمال تحضيرية أو مجرد اقتراح بقرار لأنه لا يترتب عنها أي أثر قانوني إلا من تاريخ اعتمادها أو التصديق عليها من جهة سلطة الوصاية1 (جدید) هذه هي مقومات القرار الإداري التي لا يقوم أصلا إلا بها مجتمعة وبتوفرها يصبح محلا لرقابة المشروعية التي يضطلع بها القضاء الإداري الذي يتولى بصفة عامة رقابة الشرعية وسيادة القانون عن طريق وقف التنفيذ وإلغاء القرارات الإدارية التي بها عيب مخالفة القانون أو التعسف في استعمال السلطة فإن انتفت هذه المقومات فلا يتحقق مناط اختصاص القضاء الإداري بطلب وقف تنفيذها وإلغائها وتقضي المحكمة بذلك ولو من تلقاء نفسها لتعلقه بالنظام العام وإذا توفرت للقرار الإداري مقوماته لكنه اختفى من الوجود قبل رفع دعوى إلغائه أفضى ذلك إلى عدم قبوله لزوال محلها اللازم2 (جدید).

ثانيا: عناصر القرار الإداري وشروط صحته

القرار الإداري باعتباره تصرفا قانونيا يلزم أن تتوافر له جميع العناصر والأركان المقررة لكي يصدر صحيحا ومنتجا لآثاره فلا بد أن يصدر من السلطة المختصة مطابقا للقوانين واللوائح شكلا وموضوعا معتمدا على سبب يبرره مستهدف تحقيق مصلحة عامة وهكذا تجتمع عناصر القرار الإداري وشروط صحته حول خمسة عناصر وهي: الاختصاص الشكل المحل السبب الغاية.

1- الاختصاص كأساس للقرار الإداري

يقوم القانون العام الحديث على فكرة الاختصاص “Compétence” ويمكن القول بأن فكرة تحديد اختصاصات معينة لرجال الإدارة هي نتيجة من نتائج لمبدأ فصل السلطات لأن هذا المبدأ لا يقتضي تحديد اختصاصات السلطات العامة الثلاث فحسب وإنما يستطيع توزيع الاختصاصات في نطاق السلطة الواحدة ويمكن تعريف قواعد الاختصاص بصفة عامة بأنها القواعد التي تحدد الأشخاص أو الهيئات التي تملك إبرام التصرفات العامة.

والقاعدة أن تحديد الاختصاص هو عمل المشرع وليس على الموظف أو الهيئة المنوط بها إصدار القرار الإداري إلا أن تلتزم حدود الاختصاص كما رسمها المشرع وتتحدد فكرة الاختصاص بالعناصر الآتية:

  • أ- عنصر شخصي: بتحديد الأفراد الذين يجوز لهم دون غيرهم إصدار القرارات الإدارية.
  • ب- عنصر موضوعي: وذلك بتحديد القرارات التي يجوز لعنصر إداري معين أن يصدرها.
  • ج- عنصر زماني: وذلك بتحديد المدى الزمني الذي يجوز خلاله إصدار القرار الإداري.
  • د- عنصر مكاني: وذلك بتحديد الدائرة المكانية التي لرجل الإدارة أن يباشر اختصاصه فيها1 (جدید2).

هذا ويعد عيب عدم الاختصاص في القرار الإداري عيبا مستقلا وقائما بذاته والقضاء الإداري مستقر أن عيب عدم الاختصاص هو العيب الوحيد المتصل بالنظام العام وبالتالي يملك القاضي الإداري أن يتصدى له من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثره الخصوم في الدعوى كما أن عيب عدم الاختصاص إذا وصل إلى حد اغتصاب السلطة فإنه يؤدي إلى انعدام القرار الإداري2 (جدید2).

2- السبب وراء القرار الإداري

القرار الإداري هو عمل إرادي لأنه إفصاح وتعبير عن إرادة الإدارة الملزمة كما هو عمل إرادي لا بد أن يتم عن اختيار توحي به فكرة معينة هذه الفكرة لا تولد من تلقاء نفسها في زمن رجل الإدارة بل تكون نتيجة لأمر خارجي عن هذا الأمر الخارجي يسميه العميد “دوجي” – Le motif impulsif – ويطلق عليه بونار – Le motif – ويطلق عليه بالعربية “الدافع”3.

فالسبب هو الأمر الذي يسبق القرار الإداري ويأخذ شكل حالة قانونية أو مادية تدفع الإدارة إلى إصدار القرار فالسبب في قرار العزل مثلا هو المخالفة التأديبية التي يكون الموظف المعزول قد ارتكبها وثبتت في حقه والحالة الواقعية قد تبدو في صورة اضطرابات تهدد الأمن أو كوارث طبيعية كالزلزال أو حريق أو فيضان فتندفع الإدارة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على الأمن العام ولتأمين سلامة المواطنين ويترتب على عدم مشروعية السبب تعيب القرار في أحد شروط صحته بعيب السبب4 (جدید).

3- الغاية من إصدار القرار الإداري

ويقصد بها الهدف الذي يسعى هذا القرار إلى تحقيقه فالغاية مثلا من إصدار قرار تعيين موظف أو ترقيته هو ضمان كفاية استمرار سير المرافق العامة ويتم تحديد هذه الغاية وفقا لقاعدتين أساسيتين:

  • الأولى: تتطلب من عضو السلطة الإدارية أن يتخذ قرارات بصفة عامة بهدف تحقيق المصلحة العامة.
  • الثانية: تلزم عضو السلطة الإدارية في حالة ما إذا حدد القانون غاية معينة كهدف للقرار بأن يستهدف القرار هذه الغاية على وجه التحديد ولا يجوز له أن يتعداها إلى غيرها حتى ولو لمصلحة عامة أخرى وليس لدافع شخصي وهذا ما يعرف بقاعدة “تخصص الأهداف”5 (جدید).

والعيب الذي يشوب القرار كمخالفة غاية المصلحة العامة من هذه الناحية أو تلك يسمى بعيب إساءة السلطة أو الانحراف بالسلطة الذي يبرر إلغاء القرار الإداري والتعويض عنه وبشأن بقية العناصر فإن تقدير مدى مشروعية الغاية المبتغاة من مرجعه إلى وقت إصدار القرار وليس ما يستجد بعد ذلك من أمور وأيضا كعناصر القرار الأخرى فإن القرار يتمتع في خصوص الغاية المستهدفة وبالنظر إلى الطبيعة العضوية لعيب الانحراف بالسلطة ما يثيره البحث في النوايا والدوافع الذاتية لمصدر القرار من صعوبات1 (جدید3).

4- الشكل الخارجي للقرار الإداري

ويقصد به المظهر الخارجي الذي يتخذه القرار الإداري وذلك بإفصاح الإدارة عن إرادتها والأصل أن القرار الإداري لا يخضع في إصداره لأي شكل معين إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك ومن ثم قد يكون القرار الإداري شفاهة أو كتابة.

ويتخذ القرار دائما في الشكل الكتابي إذا صدر في شكل صيغة معينة تتضمن اسم الجهة التي أصدرته ومحتوياته وتاريخ إصداره وتاريخ العمل به هذا وقد يكون القرار الإداري صريحا أو ضمنيا والقرار الصريح هو الذي تصدره الإدارة وتفصح به عن إرادتها أما سكوت الإدارة أو امتناعها عن إصدار قرار كان من الواجب عليها قانونا إصداره يعتبر في حكم قرار إداري بالرفض.

والأصل أن الإدارة غير مقيدة بشكل معين في الإفصاح عن إرادتها ما لم يأمرها المشرع بإتباع شكل معين في إصدار قراراتها وفي هذه الحالة تلتزم الإدارة بإتباع هذا الشكل كما لو حتم عليها أن تأخذ رأي لجنة فنية مكونة تكوينا معينا وفي هذه الحالة مخالفة الإدارة للأوضاع التي أوجب المشرع إفراغ التعبير فيها فإن القرار يكون معيبا في شكله2 (جدید3).

5- المحل أو الأثر القانوني للقرار الإداري

هو الأثر الحال والمباشر الذي يدخله هذا القرار على التنظيم القانوني القائم وذلك بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه3 (جدید) ومن هذه الناحية تنقسم القرارات الإدارية إلى قرارات فردية وقرارات عامة ومن أهم صورها اللوائح التي تنقسم بدورها إلى لوائح تنظيمية ولوائح تنفيذية ولوائح تفويضية4 (جدید2).

ولكي يكون القرار الإداري صحيحا في عنصر المحل يجب أن يكون هذا المحل ممكنا وجائزا فإذا كان الأثر القانوني الذي تريد الإدارة ترتيبه على قرار إداري معين مخالفا لقاعدة من القواعد السابقة كما لو أصدرت قرارا بالفصل موظف في غير الحالات المسموح بها أو بتعيين موظف غير مستوفي للشروط القانونية ففي هذه الحالة يكون كل القرار غير مشروع وبالتبعية القرار باطلا.

ومن خلال كل ما سبق فلسلامة القرار الإداري لا بد من توافر الأركان الخمسة السابقة فإذا اختل ركن منها كان القرار معيبا ومعرضا للإبطال على أن العيب الذي يشوب.


المراجع:

  1. بشير بلعيد، “القاضي الإستعجالي في المادة الإدارية إشكاليات وحلول”، الندوة الوطنية للقضاء المستجدل، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 1995، ص 170.
  2. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 7.
  3. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 643. (مكرر من النص الأصلي عند الإشارة إلى ص 643 للمرة الأولى)
  4. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 643. (مكرر من النص الأصلي عند الإشارة إلى ص 643 للمرة الثانية)
  5. حسين عثمان، “القانون الاداري”، الدار الجامعية، بيروت، 1990، ص 27.
  6. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 643. (مكرر من النص الأصلي عند الإشارة إلى ص 643 للمرة الثالثة)
  7. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 23 – 24. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  8. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 15. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  9. سليمان محمد الطهاوي، “النظرية العامة للقرارات الادارية، دراسة مقارنة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 203 – 208.
  10. محمد سعيد حسين أمين، (إشارة إلى عمل سابق لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 528. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  11. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 171. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  12. محمد سعيد حسين أمين، (إشارة إلى عمل سابق لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 538. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  13. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 207، 214. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  14. محمد سعيد حسين أمين، (إشارة إلى عمل سابق لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 529، 532. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  15. سليمان محمد الطهاوي، “النظرية العامة للقرارات الادارية، دراسة مقارنة”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 352. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)
  16. محمد فؤاد عبد الباسط، “القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان أو جزء منه)، ص 618، 619. (هذا ترقيم جديد لتمييزه)

Add comment

Follow us

Don't be shy, get in touch. We love meeting interesting people and making new friends.