
القرار القضائي الإداري: مفهومه والآثار المترتبة عليه
من المقرر قضاءً والمفروض قانونًا أن كل دعوى قضائية ترفع أمام القضاء تنتهي بحكم ولو بالشطب. ولما كانت المنازعات الإدارية تشكل دعاوى قضائية كان مآل هذه الأخيرة صدور قرار قضائي إداري تختلف طبيعته حسب الجهة المصدرة له سواء المحاكم الإدارية أو الغرف الإدارية على مستوى مجلس الدولة. إن الخوض في دراسة القرارات الإدارية يستوجب البحث في مفهومها كونها تشكل سندات تنفيذية حسب نص المادة 600 من ق.إ.م.إ متى استوفت شروطها كانت قابلة للتنفيذ. يعتبر فهم القرار القضائي الإداري أساسياً لهذا النقاش.
الفرع الأول: مفهوم القرار القضائي الإداري
كان المشرع الجزائري يصطلح بعبارة الحكم للإشارة إلى جميع ما تصدره الجهات القضائية من أحكام وقرارات وأوامر استعجالية. وبتعديله لقانون الإجراءات المدنية بالقانون رقم 05/2001 عدلت المادة 320 من القانون نفسه ليضيف المشرع لمصطلح الحكم مفهوم القرار وهذا ليفصل بين ما تصدره المحاكم وبين ما تصدره المجالس القضائية.
إذن فالقرار القضائي هو حكم إذا ما توفرت فيه أركان وشروط الأحكام. وعليه فالقرار القضائي الإداري يصدر في خصومة كأصل عام تكون إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 800 من ق.إ.م.إ طرفًا فيه1. كما أن هذا القرار يصدر من جهة أو محكمة مختصة قانونا بالمنازعة الإدارية ودائمًا يكون مكتوب وهو في الأساس لا يختلف في ظاهره عن الأحكام المدنية طبقا لما نص عليه قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وعليه يتبين أن العمل القضائي لا يعتبر حكمًا إلا بتوافر شرطين أساسيين: أولهما أن يكون قد اتخذته سلطة قضائية أو وجدتها الدولة للفصل في الخصومات، وثانيها أن يكون هذا القرار متخذًا في منازعة رفعت عنها قضية بين خصمين. وفي المنازعات الإدارية يجب أن تكون الإدارة أحد هذين الخصمين. وإن أتينا لإيجاد تعريف للقرار القضائي الإداري نقول أنه: “… حكم قضائي إذا توافرت فيه أركان الأحكام فيصدر في خصومة يكون أحد طرفيها جهة إدارية ويصدر عن محكمة مختصة بالمنازعات الإدارية (المحاكم الإدارية، مجلس الدولة…)”2.
والملاحظ أن هناك تماثلًا بين الأحكام المدنية والقرار القضائي الإداري من حيث إجراءات إصدارها، غير أن النظام القانوني الذي تخضع له يختلف باختلاف القضاء الذي يحكمها3 باعتبار أن أول درجة تصدر فيها الأحكام الإدارية أو بالأحرى القرارات القضائية الإدارية هي المحاكم الإدارية وكذا الغرف الإدارية على مستوى مجلس الدولة في بعض الطعون المرفوعة أمامه4.
الفرع الثاني: الآثار المترتبة على القرار القضائي الإداري
كسائر الأحكام القضائية يرتب على صدور القرار القضائي الإداري آثارًا منها ما هو موضوعي ومنها ما هو إجرائي.
أولا: الآثار الموضوعية
أصل هذه الآثار القانون الموضوعي المطبق على الخصومة وهي تختلف فهناك:
- أ- الأثر التقريري للقرار القضائي الإداري: فهنا القرار القضائي يتضمن الإقرار سواء الإيجابي منه أو السلبي بما أن الحق الكامن فيه يخص شخصًا محددًا1 (جدید). نذكر مثال الحكم بإلغاء حظر نشاط أو الحكم بإلغاء نتائج الانتخابات المحلية.
- ب- الأثر المنشئ للحق: منها القرار القضائي الذي يتضمن إنشاء حق من أمثلة القرار القضائي بالتعويض عن تصرف وقع من الدولة أو أحد أجهزتها سواء بخطأ أو بدونه.
- ج- الأثر الملزم للقرار القضائي: فهنا يصدر القرار بإلزام المحكوم عليه بأدائه مبلغ معين للمحكوم له. للإشارة فقط فإن هذه القرارات هي أيضًا تعد سندات تنفيذية.
كما يترتب عن القرار القضائي الصادر بدء تقادم الحق المحكوم به وإعطاء المحكوم له سندًا رسميًا لإثبات الحق المدعى به.
ثانيا: الآثار الإجرائية
من أهم الآثار التي يرتبها القرار القضائي الإداري:
حجة الشيء المقضي فيه: إن حجية الشيء المحكوم فيه مقررة للأحكام القطعية إذ لا يجوز إثارة النزاع في شأنه باعتباره أنه سبق حسمه بالقرار القضائي الصادر. وتنصرف هذه الحجية إلى ما بين الخصوم أنفسهم وبالنسبة لذات الحق محلاً وسببًا2 (جدید). ويترتب عن هذه الحجية احترام المحاكم لها وذلك بعد البحث في نفس الموضوع من جديد والتسليم بما قضى به الحكم بين الخصوم3 (جدید).
على أن حجية الشيء المقضي فيه وفقًا للتشريع الجزائري وبالخصوص في المواد المدنية بما فيها الإدارية لا تعد من قبيل النظام العام فلا يمكن إثارتها تلقائيًا من طرف القضاة. وهذا ما ورد في نص المادة 338 من القانون المدني وما أكدته المحكمة العليا ضمن غرفتها الإدارية سابقًا في القرار رقم 30 الصادر بتاريخ 1978/02/15 الذي جاء فيه: “………أن سلطة حجية الشيء المقضي به والتي تتمتع بها هذه القرارات الصادرة عن المجالس القضائية ليست من النظام العام فالقاضي لا يستطيع التعرض له تلقائيًا كما لا يمكن للأطراف التخلي عن الاستظهار بها”1 (جدید2). وهو نفس المسلك الذي انتهجه المشرع الفرنسي2 (جدید2). وقد خالف المشرع المصري ذلك إذ اعتبر الحجية من النظام العام للمحكمة القضاء بها من تلقاء نفسها مع الأخذ بعين الاعتبار نطاق ومجال حجية الأحكام الإدارية3 (جدید2). للإشارة فقط أن حجية الأمر لا تمنع من تفسير الحكم ولا من تصحيحه إذا ما شاب القرار القضائي من أخطاء مادية أو غموض في المنطوق.
ب- خروج النزاع من ولاية القضاء: تتضمن هذه الفكرة أن يمتنع القاضي المصدر للحكم أن يمس بما قضى به أو أن يعدل الحكم أو أن يحدث فيه إضافات من تلقاء نفسه ولو كان القرار القضائي الإداري باطلاً. فالحل المسموح به هو ممارسة طرق الطعن المكفولة قانونًا.
ت- أنها تعطي الحق في التنفيذ: تعد الأحكام القضائية الحاسمة في النزاع سندات تنفيذية وتتقادم الحقوق التي تتضمنها بمضي خمس عشرة (15) سنة كاملة ابتداءً من تاريخ قابليتها للتنفيذ طبقًا لنص المادة 630 ق.إ.م.إ.
المراجع:
- حدد المشرع ضمن المادة المذكورة و طبقا للمعيار العضوي الجهات الإدارية التي بواسطتها ينعقد اختصاص القضاء الإداري و هي: الدولة، الولاية، البلدية، المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية.
- رسالة ماجستير – من إعداد السيدة: حسينة شرون – امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية الإدارية – جامعة محمد خيضر بسكرة 6 نوفمبر 2003.
- صالح عبد الحميد السيد، الحكم الإداري و الحكم المدني، مجلة مجلس الدولة، السنة 10، العدد 9/8، ص 216.
- انظر المواد [9، 11] من القانون العضوي المنظم لمجلس الدولة رقم 01/98 الصادر في 1998/05/30.
- نبيل إسماعيل عمر، الوسيط في قانون المرافعات المدنية و التجارية، الطبعة 2، مصر، دار الجامعة الجديدة، سنة 2000، ص 766.
- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني المصري ”آثار الالتزام”، الكتاب الثاني، مصر، دار النهضة العربية، ص 632.
- عبد الحكيم فودة، حجية الأمر المقضي و قوته في المواد المدنية و التجارية، الإسكندرية، منشأة المعارف، سنة 1994، ص 13.
- إبراهيم أوفادة، تنفيذ الحكم الإداري الصادر ضد الإدارة، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، سنة 1986، ص 13.
- Gustave Peiser, Contentieux Administratif, 11ème Edition-Dolloz, 1999, P 211.
- إبراهيم المنجي، المرافعات الإدارية، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1999، ص 679.
Add comment