مدون للمقالات الأكادمية

تقديم دفوع جدية ودعوى الإلغاء الموازية: شروط جوهرية لوقف التنفيذ

تقديم دفوع جدية ودعوى الإلغاء الموازية: شروط جوهرية لوقف التنفيذ

تقديم دفوع جدية ودعوى الإلغاء الموازية: شروط جوهرية لوقف التنفيذ

يشكل كل من تقديم دفوع جدية ووجود دعوى إلغاء موازية مطلبين أساسيين ضمن الشروط الموضوعية اللازمة لقبول طلب وقف تنفيذ القرار الإداري. هذان الشرطان يهدفان إلى ضمان وجود أساس قانوني وواقعي لطلب الوقف، والحيلولة دون استخدامه كوسيلة لتعطيل أعمال الإدارة دون مبرر قوي.

1- أهمية تقديم دفوع جدية كأساس لوقف التنفيذ

يقصد بشرط الجدية أو المشروعية رجحان احتمال الحكم بإلغاء القرار الإداري لوجود الأسباب التي استند إليها الطاعن أن تبدو جدية أثناء التحقيق1. إن مسألة تقديم دفوع جدية تعتبر حجر الزاوية في تقييم طلب الوقف.

والأسباب الجدية لطلب الوقف والتي تشمل موضوع هذا الشرط يبحث في مفهومها بصفة أساسية من ناحية القانون وليس من ناحية الواقع. وتظهر الجدية من العيوب التي يبنى عليها الطعن وهي العيوب التي تتمثل في عيب عدم الاختصاص أو عيب الشكل أو عيب مخالفة القانون أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. وينبغي الإشارة إلى أن نظر المحكمة في أسباب جدية الطعن وهي بصدد وقف التنفيذ يجب أن تكون نظرة أولية لا تتعرض فيها لهذه الأسباب إلا بالقدر الذي يسمح لها بتكوين الرأي بخصوص وقف التنفيذ دون أن تستبق قضاء الموضوع وتنتهي إلى تكوين عقيدة فيه. وتأسيسا على ما تقدم فإن سلطة قاضي الاستعجال يجب ألا تعدو الظاهر توصلا إلى القضاء في الإجراء الوقتي أي أن سلطته مقيدة بقيدين: الأول تقصي الوقائع من ظاهر المستندات والثاني الاحتراس من أن يؤثر حكمه الوقتي في أصل الحق المتنازع عليه2. وهذا ما جسده المشرع الجزائري في المادة 919 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فنصت: “…..ومتى ظهر له من التحقيق وجود وجه خاص من شأنه إحداث شك جدي حول مشروعية القرار…..”. ويقصد بذلك وجود دفع جدي من شأنه التشكيك حول مشروعية القرار والترجيح بإبطاله. وتعتبر هذه المادة نقلا عاما نص عليه القانون الفرنسي الجديد 2000/06/30 الخاص بالقضاء المستعجل في المادة 01-L.521 أين استحدث مصطلح السبب الذي ينبئ بوجود شك جدي في شرعية القرار الإداري بدل السبب الجدي. مما يؤكد على أهمية تقديم دفوع جدية.

إضافة إلى المادة 924 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تبين أنه متى تبين للقاضي عدم وجود شك جدي حول مشروعية القرار يقضي برفض الطلب بنصها: “….أو يكون غير مؤسس يرفض قاضي الاستعجال هذا الطلب بأمر مسبب”.

والجدير بالذكر أن هذا الشرط لم ينص عليه المشرع صراحة في ظل قانون الإجراءات المدنية الملغى في المادة 171 مكرر إذ أنه اكتفى بذكر عبارة “بغير اعتراض تنفيذ قرارات إدارية” ولكن يفهم منها ضرورة وجود أسباب جدية تطعن في شرعية القرار. إلى أنه بعد صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية ذكر المشرع هذا الشرط صراحة في المادة 919 المذكورة أعلاه.

وشرط الجدية بوضعه المتقدم يبدو بمثابة عنصر توازن بين مصلحة الإدارة التي يجب ألا تمس قراراتها بالإلغاء أو الوقف إلا لعدم مشروعيته تيقنا أو رجحانا ومصلحة المتعاملين معها الذي ترجمه في نظام الوقف عنصر الاستعجال. وبعبارة أخرى فإن التوازن الواجب بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة اقتضى ألا يأتي مطلب احتمال تعذر نتائج التنفيذ في توسيع الوقت كمجرد حدث واقعي يرتب بذاته الأثر وبإطلاق وإنما استوجب أن يترتب الأثر بقدر وبمقياس يتمثل في جدية شكوك عدم المشروعية التي تحيط بالقرار المطلوب إيقاف تنفيذه وذلك حتى لا تتحول مكانة الوقف إلى مجرد وسيلة لتعطيل أعمال الإدارة وإهدار المصالح التي تقوم عليها. ويعتبر تقديم دفوع جدية الضمانة لذلك.

2- ضرورة وجود دعوى إلغاء موازية لطلب وقف التنفيذ

إن وقف التنفيذ هو طلب متفرع عن طلب الإلغاء وتمهيدا له. وفي هذا قضت المحكمة العليا في قرارها رقم 72400 المؤرخ في 1990/06/16: “من المستقر عليه قضاءا أن القاضي الإداري لا يمنح وقف تنفيذ قرار إداري ما لم يكن مسبوقا بدعوى مرفوعة ضده في الموضوع لأن طلب وقف التنفيذ يعتبر طلبا فرعيا مرتبطا ارتباطا وثيقا بالدعوى المرفوعة في الموضوع”1 (جدید).

وبالتالي لا يكون قاضي الاستعجال مختصا في الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري إلا إذا كان المدعي قد نشر دعوى في الموضوع وهو شرط منطقي فلا يعقل الاستجابة لطلب المدعي بوقف تنفيذ قرار لم يعارض في مدى مشروعيته أمام قاضي الإلغاء3.

وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 834 فقرة 02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بنصها: “….لا يقبل طلب وقف تنفيذ القرار الإداري ما لم يكن متزامنا مع دعوى مرفوعة في الموضوع أو حالة التظلم المشار إليه في المادة 830 أعلاه”.

أي أنه يجب أن يكون طلب وقف التنفيذ متزامنا مع رفع دعوى في الموضوع أو مع تقديم تظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار في الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 829 من قانون الإجراءات المدنية (04 أشهر من تاريخ التبليغ الشخصي بنسخة من القرار الإداري أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي). كما أكدت على ذلك نص المادة 926 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بنصها: “يجب أن ترفق العريضة الرامية إلى وقف تنفيذ القرار الإداري أو بعض آثاره تحت طائلة عدم القبول بنسخة من عريضة دعوى الموضوع”. أي أنه في حالة عدم رفع دعوى الموضوع فإن طلب وقف التنفيذ سيكون مآله عدم القبول. وبهذا يتضح أن تقديم دفوع جدية يجب أن يقترن بهذه الدعوى.

غير أنه بالنظر للواقع العملي للغرف الإدارية بالمجالس القضائية نجدها لا تؤخذ بعين الاعتبار هذا الشرطين بالاطلاع على بعض القرارات لأرشيف مجلس قضاء سطيف (الغرفة الإدارية القسم الاستعجالي) حيث نجد أن قاضي الاستعجال حكم بوقف التنفيذ دون دعوى في الموضوع محددا في ذلك مدة معينة ألا يعد ذلك مساسا بأصل الحق؟ بل اعتراض على أهم مبدأ وهو الأثر غير الواقف لدعوى الإلغاء. وكيف يتم اعتراض هذه القرارات دون الطعن فيها بعد الإلغاء بل إن المحكمة العليا عن غرفتها الإدارية قد صادقت على هذه القرارات بعد استئنافها4.


المراجع:

  1. Gustave Peiser, op.cit, p 198.
  2. محمود فؤاد عبد الباسط، “وقف تنفيذ القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 459.
  3. عبد الرؤوف هاشم بسيوني، “المرافعات الادارية”، الجزء الاول، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص 384 الى 389.
  4. محمود فؤاد عبد الباسط، “وقف تنفيذ القرار الاداري”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 437. (المرجع مكرر لكن لاقتباس مختلف)
  5. المجلة القضائية، عدد 01 لسنة 1993، ص 131، ص 132.
  6. مسعود شيهوب، “المبادئ العامة للمنازعات الادارية، نظرية الاختصاص، الجزء الثالث”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 503.
  7. أمر استعجالي رقم 90/154 المؤرخ في 1990/10/02، عن القسم الاستعجالي لمجلس قضاء سطيف، مصادق عليه بقرار الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، رقم الملف 188052، الفهرس رقم 797 المؤرخ في 1991/12/29، بين رئيس المجلس الشعبي البلدي لرأس الوادي ضد التعاونية العقارية م، ج، قرار غير منشور.

Add comment

Follow us

Don't be shy, get in touch. We love meeting interesting people and making new friends.