الشروط الخاصة بالدعوى الإدارية: متطلبات محددة لبعض الدعاوى

بما أن لكل قاعدة عامة استثناء لم تشذ الدعوى الإدارية عن هذه القاعدة فهناك بعض الدعاوى لها شروطها الخاصة. إن فهم هذه الشروط الخاصة بالدعوى الإدارية يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان سير الإجراءات بشكل صحيح.
دمغ عريضة الدعوى الجبائية كأحد شروط الدعوى الإدارية الخاصة
بالإضافة للشروط الأخرى عند رفع دعوى ضد الإدارة الجبائية يجب دمغ العريضة المقدمة للجهة القضائية المختصة وهو ما نصت عليه المادة “379” من قانون الضرائب المباشرة: “يجب أن تحرر العريضة على ورق مدموغ…”. وأكدت المادة “83” فقرة “1” من قانون الإجراءات الجبائية ويثبت الدمغ بوضع طابع جبائي على الورق العادي للعريضة. وقد كان في السابق ورق مدموغ بطابع جاف تقدمه الإدارة الجبائية مقابل رسم. نفس الشيء بالنسبة للوكالة في التقاضي في هذه الدعوى حيث تسري عليها نفس أشكال عريضة افتتاح الدعوى(1). يعتبر دمغ العريضة من شروط الدعوى الإدارية الخاصة في المسائل الجبائية.
وبالنسبة للقضاء في هذه الشكلية فكان يأمر بإصلاح الخطأ وإذا وضعت القضية في المداولة يترتب البطلان وذلك في قرار الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا ليوم 1990/10/21 وأكدته في قرار آخر مؤرخ في 1993/01/03. وقد ذهب مجلس الدولة لاحقا إلى أبعد من ذلك واعتبر التذكير بدمغ العريضة من مهام أمانة ضبط الجهة القضائية ويعد هذا تساهلا منه وهذا في قراره الصادر في 2001/02/19. ثم عاد للتشدد عند صدور القرار المؤرخ في 2001/06/11 وفي قرارات لاحقة. وفي قرار له صادر بتاريخ 2005/10/18 اعتبر مجلس الدولة أن الورق المدموغ يجب أن يشمل دعوى الرجوع بعد الخبرة لأنها دعوى مستقلة عن الدعوى الأصلية وذلك بصدد تفسيره للمادة “82” فقرة 1 من قانون الإجراءات الجبائية (2). إن الالتزام بهذه الشكلية من شروط الدعوى الإدارية الخاصة يضمن عدم رفض الدعوى لأسباب شكلية.
شهر عريضة الدعوى العقارية
أصدر المشرع الأمر 74/75 المتضمن المسح العام للأراضي وتأسيس السجل العقاري كما أصدر المرسوم التنفيذي له رقم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري. ونص في المادتين “14” و “86” منهما على التوالي على وجوب شهر عريضة افتتاح الدعوى في حال تعلقها بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض الحقوق العقارية ويكون ذلك أمام المحافظة العقارية المختصة إقليميا (1). وبانعدام هذه الشكلية تكون الدعوى غير مقبولة شكلا وعلى القضاء إثارتها تلقائيا في أية مرحلة كانت عليها الدعوى لأنها من النظام العام. ولحق الغير الذي لديه مصلحة في ذلك بالعلم بالوضع القانوني للعقار المتنازع عليه حماية له ولتعلقه كذلك بحق الخزينة في قبض الرسوم وذلك ما أكده مجلس الدولة في قرار له صادر بتاريخ 2001/09/24. ولكن في وقت لاحق لم يعتبر ذات المجلس هذا الإجراء من النظام العام كما أنه كان نقاش بين القضاة من جهة وفقهاء القانون من جهة أخرى حول صحة شهر العريضة بهذا الشكل من حيث أن هذه القاعدة أتى بها المرسوم 76/63 ولم تكن موجودة في قانون الإجراءات المدنية مما يعد سنة تشريعية غير محمودة تعكس نوعا من الفوضى. وقد زال هذا الإشكال بصدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية حيث نص في المادة 519: “ترفع الدعوى أمام القسم العقاري وينظر فيها حسب الإجراءات الواردة من هذا القانون مع مراعاة الأحكام الخاصة بشهر دعاوي الفسخ أو الإبطال أو التعديل أو نقض حقوق قائمة على عقود تم شهرها”. وبصدور هذا النص قد يطرح إشكال آخر ما هي الدعاوى التي تشهر والتي لا تشهر؟ وما يسعنا في هذا الصدد إلا القول أن التطبيقات القضائية لهذا النص واجتهاد مجلس الدولة في المادة الإدارية العقارية سيوضح الأمر في المستقبل القريب. وسبب هذا التساؤل هو المادة “17” فقرة “3” من قانون الإجراءات المدنية حيث أخضعت كل عريضة افتتاح دعوى كل مرتبطة بعقار أو حق عيني عقاري للشهر طبقا للقانون الجديد. وبهذه الصورة حتى المنازعات المتعلقة بإيجار عقار تخضع لهذه المادة (3). وإجراءات الشهر تبدأ بإيداع الوثائق الدالة على وجود دعوى منظورة أمام القضاء عن طريق التسجيل وقبض الرسوم(4). يعد شهر العريضة من شروط الدعوى الإدارية الخاصة والهامة في المنازعات العقارية.
التظلم الإداري أو الطعن الإداري المسبق وأثره على الميعاد
كان هذا الشرط قبل سنة 1990 لازما لممارسة الدعوى الإدارية بجميع أنواعها ومستوياتها أمام المحكمة الإدارية ومجلس الدولة (الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي وبالمحكمة العليا سابقا والغرف الجهوية). وبعد هذه السنة أصبح الأصل أن التظلم الإداري غير لازم واللزوم هو الاستثناء. ويعتبر التظلم شكوى أو احتجاج أو طلب مراجعة الإدارة مصدرة القرار نفسها بنفسها وإلغاء قرارها المعيب وهو ما يسمى بالطعن الولائي. كما قد يكون التظلم أما الإدارة التي تعلو الإدارة مصدره القرار وهو ما يسمى بالتظلم الرئاسي وهو من حيث طبيعته طعن إداري غير قضائي وهذا تمييزا له عن الطعن القضائي الذي هو الدعوى الإدارية في حد ذاتها. فالأول يعتبر مرحلة سابقة عن الثاني وحسب قانون الإجراءات المدنية والإدارية لاسيما المادة “830” منه فإن تقديمه جوازي ويكون ضمن مواعيد رفع الدعوى وهي 4 أشهر منذ صدور القرار الإداري وبقية الاستثناءات قائمة. حيث يجب أن يقوم الشخص بتحرير تظلم للإدارة قبل مخاصمتها قضائيا وذلك في مادة الضرائب والرسوم حسب المادة “329” فقرة “1” من قانون الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة (1) وكذا المادة “108” فقرة 2 من قانون الرسم على القيمة المضافة بالنسبة لمنازعات الضرائب الغير مباشرة (2) حيث يقدم التظلم لمدير الضرائب دون أن ننسى باقي المدراء مثل مدير مركز الضرائب حسب التحديث الأخير للإدارة الجبائية على أساس نوعي لفرض الضريبة وليس إقليمي (3). من الضروري فهم كيفية تأثير التظلم على شروط الدعوى الإدارية الخاصة وتحديدا الميعاد.
ويجب أن يكون التظلم في حد ذاته خاضعا للشكليات التي نص عليها القانون السابق ذكره. كما يجب أن يقوم الشخص بإيداع تظلم في مادة العقود والصفقات العمومية وذلك أمام اللجنة المحلية أو الوزارية حسب حجم الصفقة قبل اللجوء للقضاء (4) وحسب المرسوم الرئاسي 250/02 المعدل بالمرسوم 338/08 مع مراعاة الأشكال والآجال المنصوص عليها في هذا المرسوم. ويعتبر هذا الشرط لازما أيضا في منازعات الضمان الاجتماعي فرغم كل التعديلات والتي كان آخرها القانون رقم 08/08 المؤرخ في 2008/02/23 أبقى المشرع على التظلم كآلة من آليات التسوية الداخلية أمام اللجنة المحلية أو الوطنية حسب طبيعة النزاع وهذا تحقيقا لمبدأ الفصل بسرعة في حل النزاعات وقبل اللجوء للقضاء الإداري. وبطبيعة الحال فقد التزم المشرع بالمعيار العضوي حسب المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية (5). ويجب أن يتطابق مضمون التظلم مع مضمون الدعوى تحت طائلة الرفض (6).
أما بالنسبة لمجلس الدولة فحسب المادة “904” التي أحالت على المواد “518” إلى “825” فإن التظلم أمامه يكون كذلك جوازيا كقاعدة عامة تسري عليه نفس القواعد والشروط. وقد عرفه الأستاذ خلوفي رشيد: “أنه الطلب أو الشكوى لحصول المتظلم على حقوقه أو تصحيح وضعيته وله طابع غير قضائي ويوجه للإدارة المختصة”(1).
الميعاد في شروط الدعوى الإدارية الخاصة
نقصد بهذا الشرط ميعاد استعمال المدعي حقه في الطعن القضائي أي الدعوى الإدارية. ولكن هنا تجدر الإشارة إلى أن قانون الإجراءات المدنية القديم وكذلك قانون الإجراءات المدنية والإدارية ربط هذا بشرط الطعن الإداري أي التظلم المسبق في حال إلزاميته. حيث يحسب موعد رفع الدعوى القضائية الإدارية بالارتباط مع التظلم الإداري حيث نصت المادة “829” من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن أجل الطعن أمام المحكمة الإدارية (الدعوى القضائية) يكون 4 أشهر من تاريخ تبليغ القرار الإداري تبليغا شخصيا للشخص المعني به أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي وذلك مثل نزع الملكية للمنفعة العمومية لجماعة من الملاك. وفي المدة المذكورة يستطيع الشخص قبل الالتجاء للقضاء أن يقدم تظلما للإدارة مصدرة القرار وعند سكوت الإدارة لمدة شهرين يعتبر رفض ضمني للتظلم ويبدأ اجل الشهرين من تاريخ تبليغه للشخص الذي قام به. لذا نطرح السؤال حول ميعاد الطعن القضائي بعد هذا الإجراء وهذه المدة؟
لقد أجابنا المشرع على ذلك في المادة “830” في الفقرة “3” وما يليها حيث يستفيد المتظلم من أجل شهرين لرفع دعواه تسري من تاريخ انتهاء أجل الشهرين الخاصة بالتظلم الإداري الذي تكلمنا عنه بالنسبة للرد الضمني. كما أن أجل الشهرين يسري من تاريخ الرد الذي قامت به الإدارة في الأجل القانوني. ومن أجل تكامل ميعاد التظلم الإداري وميعاد الطعن القضائي وذلك للاحتجاج بها أمام القضاء يجب إثبات إيداع التظلم بكل الوسائل المكتوبة لإرفاقه مع عريضة الدعوى. وهنا نطرح التساؤل ما المقصود بالكتابة؟ وهذا لأن هذه الأخيرة قد تكون رسالة مضمونة الوصول أو ختم الإدارة الذي يشهد على اتصالها بالتظلم. ومع تطور الحياة الإدارية والقانونية قد يكون التظلم بالطريق الالكتروني هذا الذي تعد الجزائر حديثة العهد به في كل المجالات. ولهذا نترك الفرصة للقضاء الإداري من أجل توضيح ذلك. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع استجاب لدعوات الفقه في تحديد ميعاد الطعن القضائي وتوحيده بالنسبة للدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الإدارية وكذا مجلس الدولة وهي 4 أشهر (2). يعد الميعاد من أبرز شروط الدعوى الإدارية الخاصة التي يجب مراعاتها.
المراجع والهوامش:
- العيد صالحي الوجيز في شرح القانون الإجراءات الجبائية ص 107.
- قرار رقم 23957 بتاريخ 2006/04/19 مجلة مجلس الدولة-العدد 8 لسنة 2006- ص 187. نويري عبد العزيز المنازعة الإدارية في الجزائر تطورها وخصائصها مجلة مجلس الدولة العدد 8- لسنة 2006 ص 102-104.
- عمر حمدي باشا وليلى زروقي المنازعات العقارية دار هومة ص 230.
- عبد العزيز نويري نفس المرجع السابق ص 105 -106.
- المادة 17 ” …. يجب إشهار عريضة رفع الدعوى لدى المحافظة العقارية إذا تعلقت بعقار و/ أحق عيني عقاري مشهر طبقا للقانون وتقديمها في أول جلسة ينادى فيها على القضية تحت طائلة عدم قبولها شكلا ما لم يثبت إيداعها للإشهار “.
- محمد كنازة مجلة مجلس الدولة العدد7 لسنة 2005 ص5و6.
- تم إلغاء هذين المادتين و تم النص عليهما مع باقي الإجراءات في قانون الإجراءات الجبائية الذي أتى به المشرع في قانون المالية لسنة 2003 لاسيما المواد 70،71 منه.
- علي بساعد محاضرات ألقيت على طلبة السنة الثانية للمدرسة العليا للقضاء للسنة القضائية 2008 -2009.
- بوزيان منصورة محاضرات ألقيت على طلبة السنة الثانية للمدرسة العليا للقضاء للسنة القضائية 2008 – 2009.
- الطيب سماتي المنازعات العامة في مجال الضمان الاجتماعي الجزء الأول الطبقة الأولى 2008 ص 128.
- قرار رقم 26083 بتاريخ 2006/10/31 مجلة مجلس الدولة-العدد 8-لسنة2006 ص212.
- د. رشيد خلوفي قانون المنازعات الإدارية شروط قبول الدعوى الإدارية ديوان المطبوعات الجامعية الطبعة الثالثة ص102.
- د. مسعود شيهوب المرجع السابق ص 329.
Add comment