
صدور الأمر بوقف التنفيذ: الجهة المختصة والطبيعة القانونية
إن الهدف من تقديم طلب وقف تنفيذ القرار الإداري هو الحصول على أمر بوقف تنفيذ هذا القرار الإداري. وبذلك تكون الغاية من الدعوى الرامية إلى وقف التنفيذ قد تحققت. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما هي الطبيعة القانونية للأمر الصادر عنها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال المطلبين المواليين، مع التركيز على جوانب صدور الأمر بوقف التنفيذ.
المطلب الأول: الجهة القضائية المختصة للنظر في طلب وقف التنفيذ وتأثيرها على صدور الأمر
قبل صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية كان هناك عدة اختلافات في تحديد الجهة القضائية المختصة بوقف التنفيذ وفي فلسفة التشكيلة المختصة بالحكم أيضا. فهم هذه الاختلافات ضروري لفهم عملية صدور الأمر بوقف التنفيذ.
حيث أنه بالرجوع إلى المواد 171 مكرر و 2/283 من قانون الإجراءات المدنية نجد أن الأولى تمنح الاختصاص لرئيس المجلس القضائي أو العضو الذي ينتدبه والثانية تمنح الاختصاص لرئيس مجلس الدولة. لكن بالتمعن في المادة 170 من قانون الإجراءات المدنية نجد أن التشكيلة جماعية حيث تنص: “…….ومع ذلك لا يجوز للمجلس القضائي بأي حال من الأحوال أن يأمر بوقف تنفيذ قرار يمس حفظ النظام والأمن العام والهدوء العام….” وبالتالي نجد تعدد الجهة المختصة في الحكم بوقف تنفيذ قرار إداري حتى على مستوى الدرجة الواحدة.
هذا الاختلاف في الجهات القضائية المختصة وفي التشكيلة المختصة بالحكم أدى إلى اختلاف الفقهاء الجزائريين حول طبيعة قضاء كل جهة وكذا حول طبيعة القرار الصادر عن كل جهة وهذا ما أتينا على تفصيله في دعوى وقف التنفيذ.
وعلى هذا المنوال في حالة الاستعجال للهيئة القضائية المختصة هي مكان وجودها في هذه الحالة نطبق المادتين 08 و 09 من قانون الإجراءات المدنية. أما فيما يخص القضاء المستعجل فإن الجهة القضائية المختصة هي تلك التي تفصل في النزاع المعروض أمامها في هذه الحالة نصوص المادة 07 هي المطبقة. وبالتالي الجهة القضائية التي تحكم بالإلغاء هي التي تستطيع الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري1. وبالتالي يؤثر تحديد الجهة على صدور الأمر بوقف التنفيذ.
هذا الاختلاف كان قبل صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية ولكن بصدور هذا القانون زال الغموض ووضح بدقة الجهة القضائية المختصة بطلب وقف التنفيذ. إذ نصت المادة 836 منه أنه في جميع الأحوال تفصل التشكيلة التي تنظر في الموضوع في الطلبات الرامية إلى وقف التنفيذ بأمر مسبب ويقصد بذلك المحكمة الإدارية التي تنظر في الموضوع والمتمثل في دعوى إلغاء القرار الإداري محل طلب وقف التنفيذ. وباعتبار أنه لحد الآن لم يتم تنصيب المحاكم الإدارية بعد يبقى الاختصاص للغرفة الإدارية للمجالس القضائية إلى غاية التنصيب الفعلي للمحاكم الإدارية.
كما منح القانون كذلك اختصاص الفصل في طلب وقف التنفيذ للقاضي الاستعجالي وذلك حسب المادة 919 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وذلك بنصها على أنه عندما يتعلق الأمر بقرار إداري ولو بالرفض ويكون موضوع طلب إلغاء كلي أو جزئي “يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمر بوقف تنفيذ القرار أو وقف آثار معينة منه متى كانت ظروف الاستعجال تبرر ذلك……”.
وبالرجوع إلى المادة 917 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يتبين لنا أنه في مادة الاستعجال يفصل بالتشكيلة الجماعية المنوط بها البت في دعوى الموضوع. كما منح المشرع كذلك اختصاص النظر في وقف التنفيذ إلى مجلس الدولة وذلك بموجب نص المادة 910 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتي تحيلنا إلى تطبيق الأحكام المتعلقة بوقف التنفيذ المنصوص عليها في المواد 833 إلى 837 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أمام مجلس الدولة. كما يمكن طبقا للمادة 912 من نفس القانون لمجلس الدولة عند نظره في استئناف حكم صادر عن المحكمة قضى برفض الطعن لتجاوز السلطة لقرار إداري تجوز له أن يأمر بوقف تنفيذ هذا القرار وذلك بالاعتماد على نفس الأسباب التي تعتمد عليها المحكمة الإدارية. وهذا كله يؤكد تعدد السيناريوهات المحتملة لـ صدور الأمر بوقف التنفيذ.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للأمر الصادر عنها (مؤقت وقطعي) وأثرها على صدور الأمر بوقف التنفيذ
الأمر الصادر في طلب وقف التنفيذ قد يصدر عن قاضي الأمور المستعجلة وقد يصدر عن المحكمة الإدارية (الغرفة الإدارية) بتشكيلة جماعية عند توافر الشروط التي حددها القانون. وأيا كان الحكم في الطلب فإنه سيكون الأمر مستعجلا ويترتب على ذلك الطابع الوقتي. ولكن هذه الصفة لا تحول دون اعتبار الأمر الصادر بوقف التنفيذ أمرا قطعيا فيما فصل فيه. وبناء على ذلك سنعالج هاتين الخاصيتين اللتين يتميز بهما الحكم بوقف التنفيذ عند صدور الأمر بوقف التنفيذ.
1- الأمر بوقف التنفيذ: أمر مؤقت
يقصد بذلك الأمر الفاصل في طلب بإجراء وقتي مستعجل لحماية الحق أو المركز القانوني الموضوعي مؤقتا من خطر التأخير الذي يهدد بأضرار محدقة ولحين حمايته بحكم موضوعي. وذلك لأن طبيعة الحكم تتحدد وفق حقيقة الطلب القضائي الذي صدر فيه الحكم وما قضي به فيه. وبالتالي بالنظر إلى طلب وقف التنفيذ نجد أنه لا يتضمن أي مطالبة بحق أو مركز قانوني موضوعي كبطلان أو إلغاء القرار وإنما يتضمن فقط مطالبة بإجراء وقتي هو وقف تنفيذ القرار مؤقتا إلى حين الفصل في الموضوع1 (جدید).
وبالتالي فإنه بالنظر إلى الأمر الصادر في الطلب نجد أنه لا يتضمن فصلا في أصل الحق وإنما فقط في الإجراء الوقتي المطلوب بالاستجابة له أو برفضه. وبناء على ذلك يتحتم علينا القول بأنه أمر وقتي ومستعجل وهو ما نصت عليه المادة 303 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بنصها: “لا يمس الأمر الاستعجالي أصل الحق……….” والمادة 918 من نفس القانون تنص: “يأمر قاضي الاستعجال بالتدابير المؤقتة لا ينظر في أصل الحق…..”. ويترتب عن التكييف السابق ما يلي:
- النتيجة الأولى: الأمر الصادر في طلب وقف التنفيذ باعتباره غير فاصل في الموضوع لا يجوز حجية الأمر المقضي به بالمعنى الدقيق أو الأصح الأمر بوقف التنفيذ يحوز حجية مؤقتة. وهنا نفرق بين حالتين:
- أ- حجية الأمر بوقف التنفيذ أمام القضاء المستعجل: فهي تحوز حجية مؤقتة ومعنى ذلك أنها ملزمة للخصوم وواجبة التنفيذ فإذا تغير مركز الخصوم أو تغيرت الظروف القائم عليها الأمر المستعجل أمكن تعديله وفق الظروف الجديدة أما إذا لم تتغير فيحوز الأمر حجية الشيء المحكوم به مثله مثل الأحكام الموضوعية القطعية أمام القضاء المستعجل.
- ب- حجية الأمر بوقف التنفيذ أمام قضاء الموضوع: لا يحوز بصفة عامة أي حجية فهو لا يقيد بأي حال من الأحوال المحكمة التي يعرض عليها النزاع على أصل الحق ولو كانت هي نفس المحكمة التي أصدرته.
- النتيجة الثانية: أثر الأمر بوقف التنفيذ ينتهي اعتبارا من تاريخ الحكم في موضوع الدعوى. إذا من هذا تاريخ تترتب آثار الحكم الأخير باعتباره حكما فصلا في موضوع المنازعة وواجب النفاذ منذ صدوره. ويترتب على ارتباط الأمر بوقف التنفيذ بالحكم الموضوعي أن ترك الخصومة في دعوى موضوعية ينسحب أيضا إلى طلب وقف التنفيذ مما يؤدي إلى إلغاء أمر وقف التنفيذ.
- النتيجة الثالثة: إن قاضي الأمور المستعجلة يتكلف بتنفيذ التدابير التي أمر باتخاذها وفي ذلك له أن يحكم بتهديدات مالية.
2- الأمر بوقف التنفيذ: أمر قطعي
تنقسم الأحكام من حيث صفتها إلى سمة إلى أحكام قطعية وأحكام غير قطعية. ولما كان الحكم القطعي يفصل في المسألة بصورة حاسمة على النحو الذي يفيد تمام تكوين عقيدة المحكمة في خصوص هذه المسألة كان طبيعيا أن يكون الأثر المترتب عليه هو استنفاذ ولاية القاضي بحيث تزول ولايته بالنسبة للمسألة التي فصل فيها فيمنع عليه العدول عما قضى به ويتقيد بمضمونه أمام الحكم غير القطعي. إن صدور الأمر بوقف التنفيذ يمكن أن يتخذ هذا الطابع.
بالنظر إلى طبيعة الأمر بوقف التنفيذ نجد أنه يدرج في طائفة الأحكام القطعية فالأمر المستعجل أمر قطعي لأنه يفصل في مسألة الوقف موضوع الخصومة المستعجلة فصلا حاسما3.
ويترتب عن هذا التكييف عدة نتائج مهمة منها:
- النتيجة الأولى: يجوز الطعن في أمر وقف التنفيذ استقلالا ودون انتظار الحكم الذي يصدر في موضوع دعوى الإلغاء وذلك وفقا للقواعد العامة في الطعن في الأحكام.
- النتيجة الثانية: يحوز الأمر بوقف التنفيذ باعتباره أمرا قضائيا حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة إلى ما فصلت فيه المحكمة من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب. ويترتب عن ذلك أمران:
- أ- الأمر الأول: يجب على المحكمة أن تفصل في جميع الدفوع الشكلية والمسائل الفرعية المثارة في الدعوى مثل الدفع بعدم القبول وذلك قبل أن تفصل في موضوع طلب وقف التنفيذ.
- ب- الأمر الثاني: قضاء المحكمة في مسألة الاختصاص أو قبول الدعوى يقيدها من نظر الموضوع. ومؤدى ذلك أنه لا يجوز للمحكمة إذا ما فصلت في دفع من هذا القبيل في أمر وقف التنفيذ أن تعود عند نظر طلب الإلغاء فتفصل فيه من جديد لأن حكمها الأول قضاء نهائي حاز حجية الأحكام ثم قوة الشيء المحكوم فيه. وإذا قضت المحكمة في دعوى الإلغاء على خلاف ما قضت به في طلب وقف التنفيذ فإن حكمها يكون معيبا لمخالفة حكمها سابقا حائزا قوة الشيء المحكوم فيها1 (جدید2).
المراجع:
- R. Khalloufi, op.cit, p 54, p70.
- أحمد علي السيد خليل، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 300، ص 301.
- يقصد بحجية الأمر المقضي: “أن الحكم يتمتع بنوع من الحرمة بمقتضاها تمتنع مناقشة ما حكم به في دعوى جديدة، فالقانون يفترض أن الحكم هو عنوان للحقيقة، أنه صدر صحيحا من حيث إجراءاته، وأن ما قضى به هو الحق بعينه من حيث الموضوع”.
- أحمد علي السيد خليل، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 306. (المرجع مكرر ولكن لاقتباس مختلف)
- محمد محمد عبد اللطيف، “قانون القضاء الاداري، الكتاب الثاني، دعوى الالغاء”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 375.
- أحمد علي السيد خليل، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف لم يحدد عنوانه في النص المصدر)، ص 308-310. (المرجع مكرر ولكن لاقتباس مختلف)
- محمد محمد عبد اللطيف، “قانون القضاء الاداري، الكتاب الثاني، دعوى الالغاء”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 372. (المرجع مكرر ولكن لاقتباس مختلف)
Add comment