مدون للمقالات الأكادمية

طرق الطعن في الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري: الاستئناف واستبعاد الطرق الأخرى

طرق الطعن في الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري: الاستئناف واستبعاد الطرق الأخرى

طرق الطعن في الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري: الاستئناف واستبعاد الطرق الأخرى

أن يعرض المحكوم عليه الحكم الذي أصدرته أول محكمة على آخر أعلى درجة لكي تعيد النظر في الحكم فيه وتتأكد من صوابه وعدالته فكرة تستجيب إلى مثل أعلى يكاد لا ينازعه أحد. كما أمكن تحقيقها من الوجهة العملية عن طريق الطعن في الأحكام – القرارات والأوامر. وعلى أية حال فإن القابلية للطعن كما هي لازمة للأحكام الموضوعية فإنها أيضا لازمة للأحكام الوقتية والمستعجلة ففي كل قد يخطئ القاضي ويحق للمتضرر من الخطأ أن تتاح له فرصة علاجه من خلال الطعن. فما هي طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ وما مدى استجابة تنظيمها القانوني للطابع الاستعجالي لدعوى وقف التنفيذ؟.

المطلب الأول: الطعن بالاستئناف كطريق أساسي ضمن طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ

خول المشرع الجزائري حق الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادرة بوقف التنفيذ أمام مجلس الدولة في أجل 15 يوما التالية للتبليغ الرسمي أو التبليغ وذلك ما نصت عليه المادة 837 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. يعتبر الاستئناف هو الطريق الرئيسي المتاح ضمن طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ.

وتجدر الإشارة هنا أن المادة 936 من نفس القانون أين نصت صراحة أن الأوامر الصادرة تطبيقا للمواد 919 و921 و922 غير قابلة لأي طعن مما يجعلها نهائية وهي المواد التي نصت صراحة فيما يخص إمكانية وقف تنفيذ القرار الإداري أمام القاضي الاستعجالي. وهو نفس ما ذهب إليه المشرع الفرنسي حيث نجد أن الأحكام الصادرة في وقف التنفيذ في إطار قضاء الوقف الاستعجالي (Référé suspension) بنص المادة L.531-1 أنها أحكام نهائية (أول وآخر درجة). لكن منح إمكانية الطعن فيها بالنقض وهذا شيء مفهوم بالنظر إلى التنظيم القضائي الإداري الفرنسي الذي يفرق في جهة الاستئناف وجهة النقض. أما الأحكام الصادرة من الهيئات القضائية في إطار قضاء الحريات (Référé liberté) فهي قابلة للاستئناف أمام رئيس قطاع المنازعات (Le Président de la section du contentieux) الذي يفصل في مدة 48 ساعة ولكن إذا كان الطلب محلا للرفض في ظل تطبيق مبدأ المواجهة والجلسة العلنية فإن طريق الاستئناف ليس مفتوحا أمام الطالب الذي لن يبق أمامه سوى الطعن بالنقض1.

وهذا ما ذهبت إليه تقريبا المادة 920 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ولكن الإشكال المطروح في قراءة المادتين 936 والمادة 837 من نفس القانون تجعلنا نطرح التساؤل حول القرار القضائي المذكور في كلتا المادتين رغم وحدة موضوعهما وهو أمر صادر بعد طلب وقف التنفيذ رغم اشتراك الدعويين في الشروط الواجب توفرها وفي آثار الحكم به. إلا أن الأوامر الصادرة تطبيقا لنص المادة 837 تكون قابلة للاستئناف خلال 15 يوما من تاريخ التبليغ أمام مجلس الدولة والأوامر الصادرة من قبل القاضي الاستعجالي في نفس الموضوع لا تكون قابلة لأي طريق من طرق الطعن بل أكثر من ذلك خصها المشرع بصريح العبارة أن الأوامر الصادرة في مادة وقف التنفيذ في الاستعجال الإداري غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن. رغم اعتقادنا أنه إجحاف في حق المدعي في الحالة الثانية كون أن الأمر الصادر في إطار القضاء المستعجل في موضوع وقف التنفيذ هو حكم قطعي ومؤقت له مقومات الحكم القضائي الذي يستوجب المراقبة من جهة أعلى تكريسا لمبدأ التقاضي على درجتين. لذا فإن وضوح طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ أمر حيوي للعدالة.

أما وقف التنفيذ المأمور به من مجلس الدولة تطبيقا للمادة 911 و 912 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سواء تعلق الأمر برفع وقف التنفيذ والأمر به فلا يمكن تصور الاستئناف بشأنه باعتبار أن هذا الطريق من الطعن هو طريق ناقل للنزاع إلى درجة أعلى ومجلس الدولة هو أعلى هيئة قضائية إدارية وبالتالي آخر درجة.

ويترتب على رفع الاستئناف طرح النزاع المحكوم فيه على محكمة ثاني درجة وهو ما يعرف بالأثر الناقل للاستئناف ويبنى في خصوص ذلك الأمر المستعجل بصفة عامة والأمر بوقف التنفيذ بصفة خاصة. وإن ولاية مجلس الدولة لا تتعدى سلطة القضاء المستعجل فهو تفصيل في النزاع المطروح بنفس الطريقة التي التزم بها قاضي الأمور المستعجلة كمحكمة أول درجة.

المطلب الثاني: استبعاد طرق الطعن الأخرى من نطاق طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ

إن الأوامر بوقف التنفيذ باعتبارها أوامر استعجالية فإنها لا تقبل طرق الطعن الأخرى للطعن نظرا لعدم استجابتها للطابع الاستعجالي للمنازعة الاستعجالية كمبدأ عام.

1- المعارضة:

فإذا كانت المادة 936 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية صريحة بنصها أن الأوامر الصادرة بوقف التنفيذ تطبيقا للمواد 919 و921 و922 غير قابلة لأي طعن فإن المادة 953 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية نصت: “تكون الأحكام والقرارات الصادرة غيابيا عن المحاكم الإدارية ومجلس الدولة قابلة للمعارضة”. وباستقراء هذه المادة نجدها لم تذكر الأوامر كون أن هذا القانون هو قانون تقني فرق بين الحكم والقرار والأمر كل حسب طبيعته والجهة القضائية التي أصدرته. فضمنيا فإن الأوامر الاستعجالية في المادة الإدارية غير قابلة لهذا الطريق من الطعن وهو تقريبا ما نصت عليه المادة 171 مكرر من قانون الإجراءات المدنية الملغى أين نصت الفقرة الأخيرة من هذه المادة بأن الأمر الصادر في المادة الاستعجالية الإدارية يكون قابلا للاستئناف أمام المحكمة العليا في ميعاد 15 يوما من تاريخ تبليغه. وأن هذه المادة في فقراتها لا تنص تماما على المعارضة وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا تطبيقا لهذه المادة على مبدأ عدم جواز المعارضة في الأوامر الاستعجالية الصادرة في المادة الإدارية في القرار 612/142 المؤرخ في 1997/03/16 مجلة قضائية 1997 العدد 01 ص 116 وما بعدها: “….حيث أن المستأنف يزعم بواسطة وكيله الأستاذ ب.ع بأن المادة 188 من قانون الإجراءات المدنية على أن الأمر وليس القرارات وأن المادة لا تطبق على القرارات الاستعجالية”. حيث أن فعلا أن هذه المادة (188 من قانون الإجراءات المدنية الملغى) تنص بأن الأوامر الصادرة في المواد المستعجلة غير قابلة للمعارضة1 (جدید). وبالتالي تستبعد المعارضة من طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ.

وحسب الفقه فقد رأى الأستاذ P.Hanalet: المعارضة لا تتلاءم مع إجراءات الاستعجال وزيادة على أن الحكمة من منع المعارضة في الأوامر الاستعجالية الإدارية هي الإسراع في استقرار الأوضاع التي ترتبها الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة فضلا عن زجر الخصوم عن غيابهم الذي قد يعوق نظر القضايا الاستعجالية.

2- الطعن بالنقض:

تنص المادة 11 من القانون 01/98 المؤرخ في 1998/05/30 والمتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله على ما يلي: “يفصل مجلس الدولة في الطعون بالنقض في قرارات الجهات القضائية الإدارية الصادرة نهائيا وكذا الطعون بالنقض في قرارات مجلس المحاسبة”. والطعن بالنقض طريق من طرق الطعن غير العادية مفتوح للأطراف وفي بعض الحالات للنيابة العامة يرمي للنظر فيما إذا كانت المحاكم قد طبقت النصوص والمبادئ القانونية بصفة سليمة في الأحكام الصادرة منها. فمجلس الدولة ليس مكلفا بالمادة للنظر في الدعاوى وتصليح كل الأخطاء المرتكبة من طرف القضاة فمهمته تنحصر في نقض الأحكام غير الصحيحة والتي خالفت القانون وإما الحكم في الدعوى فإنما عندما تقضي بالنقض إلى جهة قضائية أخرى فمجلس الدولة ليس درجة تقاضي ثالثة.

وباعتباره هيأة موازية للمحكمة العليا في هذا الشأن يمكن تبني عبارات المشرع عن المحكمة العليا بصفتها جهازا مقوما لأعمال المجالس القضائية والمحاكم تمارس المحكمة العليا رقابة على تسبيب أحكام القضاء ورقابة معيارية تأخذ بعين الاعتبار تكييف الوقائع على ضوء القاعدة القانونية المادة 06 من القانون المؤرخ في 1989/12/12.

ولا يفتح الطعن بالنقض إلا في غياب طريق آخر للطعن كما هو الحال للطعن بالتماس إعادة النظر ولا يقبل الطعن بالنقض إلا في الأحكام النهائية واختصاصات مجلس الدولة كقاضي نقض هي اختصاص رمزي قط. فكافة الأحكام الصادرة عن الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية (المحاكم الإدارية إلى حين تنصيبها) تكون قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة بنص المادة 10 من نفس القانون والتي تنص على أن يفصل مجلس الدولة باستئناف القرارات الصادرة ابتدائيا من قبل المحاكم الإدارية. ولم ينص المشرع على محاكم الاستئناف بعد الإصلاح القضائي لسنة 1998 بإنشاء مجلس الدولة بقانون 01/98 والمحاكم الإدارية بقانون 02/98 ومحكمة التنازع بقانون 03/98 المؤرخ في 1998/05/30. وفي اختصاصه بالنقض نجد المادة 498 من قانون الضرائب غير المباشرة بالأمر المؤرخ في 1976/12/09 وكذا قرارات اللجنة الوطنية للطعن في مجال تأديب المحامين1 (جدید2). لهذا لا يعد الطعن بالنقض من ضمن طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ بشكل عام.

أما بالنسبة لأوامر الاستعجال بوقف التنفيذ التي يختص بها مجلس الدولة حسب المادة 910 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فيما يخص القرارات المركزية فلا يتصور نقض هذه الأوامر حتى وإن كانت تصدر نهائية باعتبار أن النقض يكون من درجة تعلو الجهة القضائية التي أصدرت القرار المطعون فيه ما دام مجلس الدولة ليس له جهة تعلوه فلا يتصور أن يكون هناك طعن بالنقض. وبصفة عامة فإن الطعن بالنقض مستبعد في الأوامر الإدارية لأنها غير نهائية حيث نصت المادة 03 من قانون 02/98 الخاص بالمحاكم الإدارية على أن أحكام هذه الأخيرة يجوز استئنافها أمام مجلس الدولة رغم أنها قابلة للتنفيذ وهو ما أوضحه الرأي الاستشاري لمجلس الدولة رقم 99/01 حيث جاء فيه ما يلي: “إن مجلس الدولة ….. يعتبر ويقول إن أحكام المادة 08 من القانون 102/91 لا تعني تنفيذ القرارات القضائية عندما يكون التنفيذ منصوص عليه بشكل خاص رغم طرق الطعن العادية كما هو الحال بالنسبة للقرارات الصادرة عن الجهات القضائية الإدارية تطبيقا للمادة 171 من قانون الإجراءات المدنية ….”2.

3- التماس إعادة النظر:

يعتبر التماس إعادة النظر طريق طعن غير عادي في الأحكام النهائية يقدم في الحالات التي نص عليها القانون. ويرفع الالتماس إلى نفس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه لأنه يبنى على أسباب لو أن الجهة تنبهت إليها لاحتمل أن تغير حكمها إما لسهو غير متعمد منها أو بسبب فعل المحكوم له ويكفي تنبيه هذه الجهة القضائية إليها كي تعيد الفصل في القضية وتتدارك ما وقع منها. وقد نص المشرع الجزائري من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على هذا الطريق في المادة الإدارية في المادة 966 منه والتي نصت على: “لا يجوز الطعن بالتماس إعادة النظر إلا في القرارات الصادرة عن مجلس الدولة.”

وحسب الفقه الفرنسي والاجتهاد القضائي فإنه يقول بعدم جواز الطعن بطريق التماس إعادة النظر في الأوامر المستعجلة بصفة عامة وحجتهم في ذلك:

  • أولا: أن هذه الأحكام مؤقتة تصدر في مسائل تحفظية وقتية ويجوز للمتضرر منها أن يطلب تعديلها أو إلغائها من نفس القاضي المستعجل عند حصول تغيير في وقائع الدعوى المادية أو في مركز أحد الطرفين القانوني أو كليهما وأن يلجأ إلى محكمة الموضوع للفصل في أصل الحق.
  • ثانيا: أن الطعن بهذا الطريق لا يجوز عند عدم وجود طرق أخرى للطعن في الأحكام الأمر المنطبق فقط على الأحكام المدنية والتجارية الفاصلة في موضوع الحق. وعليه لا يعتبر التماس إعادة النظر من طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ.

4- اعتراض الغير الخارج عن الخصومة:

نص على هذا الطريق المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المادة 960: “يهدف اعتراض الغير الخارج عن الخصومة إلى مراجعة أو إلغاء الحكم أو القرار الذي فصل في أصل النزاع”.

ويكون بذلك قد أنهى الجدل القائم في غياب نص صريح في القانون القديم الذي لم ينص صراحة على استبعاد هذا الطريق في الأوامر الفاصلة في وقف التنفيذ3 وبالتالي إمكانية اللجوء إليه. إلا أن عبارة – القرار الذي فصل في النزاع – تعني مباشرة إقصاء الأوامر الاستعجالية من ذلك كونها لا تنظر في أصل النزاع وبالتالي عدم إمكانية الطعن فيها بهذا الطريق. وهكذا يتم استبعاد اعتراض الغير الخارج عن الخصومة من طرق الطعن في الأمر بوقف التنفيذ.


المراجع:

  1. Didier Chauveaux, Les nouveaux référé administratif, R.F.D.A, 17 (03) Mai, Juin, 2001, p669.
  2. بشير بلعيد، “القضاء المستعجل في الامور الادارية”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 218.
  3. مسعود شيهوب، “المبادئ العامة للمنازعات الادارية”، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 483.
  4. مجلة إدارة، المجلة 09، العدد 01، 1999، ص 206. (جاء في المادة 08 من القانون رقم 02/91:” يسدد امين الخزينة للطالب او الطالبين مبلغ الحكم القضائي النهائي وذلك على اساس الملف في اجل لا يتجاوز 03 اشهر).
  5. بوبشير محند أمقران، قانون الإجراءات المدنية (نظرية الدعوى – نظرية الخصومة – الإجراءات الاستثنائية)، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1998، ص 339.

Add comment

Follow us

Don't be shy, get in touch. We love meeting interesting people and making new friends.