
مدى قابلية الأحكام الصادرة بوقف التنفيذ لوقف التنفيذ: تحليل قانوني
في الدعاوى الإدارية ليس لطرق الطعن العادية1 أن توقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وهذا طبقا لنص المادة 908 ق إ م إ2 بالنسبة للاستئناف أمام مجلس الدولة والمادة 909 ق إ م إ3 بالنسبة للطعن بالنقض خلافا لما هو مقرر في المواد المدنية أين لها أثر موقف باستثناء حالة الأشخاص وأهليتهم ودعوى التزوير الفرعية. فإذا ما صدر حكم بوقف تنفيذ القرار الإداري فإن المعارضة فيه توقف تنفيذه طبقا لنص المادة 955 ق إ م إ السالفة الذكر والاستئناف لا يوقف تنفيذه. وعليه نتساءل هل يمكن للقضاء أن يأمر بوقف تنفيذ الحكم الذي قضى بإيقاف تنفيذ القرار الإداري في حالة استئنافه؟ إن المادة 911 ق إ م إ4 تمنح الحق لمجلس الدولة أن يأمر فورا وبصفة مؤقتة ليضع حدا لوقف تنفيذ القرار الإداري الذي نطق به قضاة المحكمة الإدارية وبذلك تكون قد أقرت حق قضاة الاستئناف في إلغاء قرار قضائي بوقف التنفيذ. لأن الإلغاء هو حق بديهي لقاضي الاستئناف ولا يحتاج إلى نص5. إن بحث مدى قابلية الأحكام الصادرة بوقف التنفيذ لوقف التنفيذ يتطلب التفصيل.
وبناءا على ما سبق الإشارة إليه في المبحث الأول من هذا الفصل خلصنا إلى أن وقف تنفيذ القرار الإداري يكون إما بحكم المحكمة الإدارية أو بقرار صادر عن مجلس الدولة والحكم الصادر بإيقاف التنفيذ قد يكون حضوري أو غيابي. لذلك وجب علينا الوقوف على مدى قابليتها لوقف التنفيذ كل على حدة وفقا للفروع أدناه.
الفرع الأول: وقف تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية
يقتضي تحليل مدى قابلية الأحكام الصادرة بوقف التنفيذ لوقف التنفيذ الصادرة عن المحاكم الإدارية التمييز بين الأحكام الحضورية والغيابية.
أولا: الأحكام الحضورية القابلة للاستئناف
من الضروري التفرقة بين الأوامر الإستعجالية الصادرة عن المحاكم الإدارية والقرارات الأخرى غير الإستعجالية الصادرة عنها. فبالنسبة للأوامر الإستعجالية الصادرة في وقف التنفيذ والمستأنفة أمام مجلس الدولة فلرئيسه الأمر فورا وبصفة مؤقتة وقف تنفيذ الأمر المستأنف سواء كان ذلك بطلب من الطرف المستأنف أو من تلقاء نفسه وهذا إعمالا بنص المادة 911 ق إ م إ السالفة الذكر. أما بخصوص القرارات الأخرى غير الإستعجالية الصادرة عن المحاكم الإدارية فإنه يجوز لرئيس مجلس الدولة أن يأمر بوقف تنفيذها بناءا على طلب صريح من المدعي1 (جدید). وعليه يمكن القول بأن الأحكام القضائية المتعلقة بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادرة عن المحاكم الإدارية من غير الجائز وقف تنفيذها إلا في حالة استئنافها أمام مجلس الدولة طبقا لنص المادتين 837/03 و911 ق إم إ. وهذا الأخير عندما يفصل في الأمور الإستعجالية يفصل بتشكيلته الجماعية وليس كقاضي فرد2 (جدید).
ثانيا: الأحكام الغيابية
في حالة ما إذا صدر حكم غيابي عن المحاكم الإدارية فهل باستطاعة المحكوم عليه أن يطلب وقف تنفيذ ذلك الحكم؟ وإن كان الجواب بنعم فأمام أية جهة قضائية؟ هل أمام المحكمة الإدارية نفسها أم أمام مجلس الدولة؟ إن قانون الإجراءات المدنية القديم لم يتطرق لهذه المسألة بل نص فقط على طلب وقف تنفيذ القرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية والتي يرفع الطلب بشأنها أمام مجلس الدولة. حيث نصت المادة 2/283 من نفس القانون على أنه: “باستطاعة رئيس الغرفة الإدارية أن يأمر بصفة استثنائية وبناء على طلب صريح من المدعي بوقف تنفيذ القرار المهاجم ضده بحضور الأطراف أو من أبلغ قانونا بالحضور”. هذا النص يمكن تطبيقه على القرار القضائي الإداري الصادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي وكذا على القرار الإداري الصادر عن السلطات الإدارية وعليه يشترط أن يكون القرار القضائي حضوريا ورفع فيه استئناف. أما قانون الإجراءات المدنية والإدارية فلقد نص صراحة في المادة 953 منه على أن: “تكون الأحكام والقرارات الصادرة غيابيا عن المحاكم الإدارية ومجلس الدولة قابلة للمعارضة” هذا بالنسبة للأحكام القضائية الإدارية العادية.
ولكن الإشكال حول ما إذا كنا بصدد حكم قضائي إداري غيابي بوقف تنفيذ قرار إداري فإن المحكوم ضده هنا وحتى لا يفقد درجة من درجات التقاضي يمكنه اللجوء إلى رفع معارضة ضد ذلك القرار أمام نفس الجهة المصدرة له. لكن لا يمكنه طلب وقف التنفيذ أمام مجلس الدولة لكونه لم يرفع استئنافا. ونظرا لحالة الاستعجال التي تتمثل في خشية حدوث أضرار لا يمكن تلافيها أو إصلاحها إذا نفذ القرار الغيابي فأمام أي جهة يطلب ذلك؟ أجاب مجلس الدولة على ذلك في قرار له بتاريخ 2002/11/19 أقر فيه بوجوب السماح للطرف المعارض أن يطلب وقف التنفيذ أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي – سابقا – المرفوع أمامها المعارضة بعريضة مستقلة. لكن هذا الاجتهاد القضائي الصادر عن مجلس الدولة غير مستساغ لأن القاضي الذي ينظر في المعارضة سبق له وأن فصل في القضية وأبدى رأيه بشأنها لذلك لا يمكن أن توكل له مهمة وقف تنفيذ قرار صادر عنه لأنه من الصعب أن يراجعه خاصة وأننا أمام طلب مستعجل1 (جدید2). لكن وفي نظرنا أن هذا الانتقاد غير مؤثر على اعتبار أن المعارضة تلغي القرار المعارض فيه ويصبح كأن لم يكن مما يعني أن القاضي يكون أمام ملف جديد. كما أن المعارض يمكن أن يقدم معطيات وأدلة تجعل القاضي يغير رأيه. لذلك فنحن نؤيد الاجتهاد الذي أخذ به مجلس الدولة في قراره السابق المشار إليه أعلاه. هذا التحليل مهم لفهم مدى قابلية الأحكام الصادرة بوقف التنفيذ لوقف التنفيذ.
الفرع الثاني: القرارات الصادرة عن مجلس الدولة
إن السؤال المطروح هو كالتالي: هل يمكن للمدعي أن يطلب إيقاف تنفيذ قرار صادر عن مجلس الدولة قضى بوقف التنفيذ؟ لقد أجاب مجلس الدولة عن ذلك في قراره المؤرخ في 2002/04/30 بحيث أن وقف التنفيذ يشكل استثناء للطابع التنفيذي للقرارات الصادرة عن الجهات القضائية للدرجة الأولى وحيث أنه لا يمكن النطق به بالنسبة للقرارات التي أصبحت نهائية عملا بمبدأ التقاضي على درجتين أو بفعل الاختصاص القانوني. ونظرا للطابع النهائي للقرارات الصادرة عن مجلس الدولة لا يمكن الطعن فيه إلا بالطريقين غير العاديين المتمثلين في التماس إعادة النظر وتصحيح الخطأ المادي بشروط محددة. وعليه من حيث المبدأ لا يمكن وقف التنفيذ للقرارات الصادرة عن مجلس الدولة ابتدائيا ونهائيا.
وعليه يثور التساؤل عندما يصدر مجلس الدولة قرار غيابي بوقف تنفيذ قرار إداري قابل للطعن بالمعارضة فهل يجوز للمعارض طلب وقف التنفيذ للقرار القضائي الغيابي بوقف تنفيذ القرار الإداري لغاية الفصل في المعارضة؟ لم يتطرق المشرع والقضاء الجزائريين لهذه المسألة غير أنه يمكن القول بجواز ذلك أمام رئيس مجلس الدولة أو رئيس الغرفة الإستعجالية بمجلس الدولة لكون هذا الأخير سيفصل في المعارضة من جديد وبالتالي بإمكانه وقف التنفيذ تفاديا لنتائج يصعب إصلاحها لو نفذ القرار القضائي الإداري الغيابي2 (جدید2).
أما في فرنسا فوقف تنفيذ القرارات القضائية منظم بالمواد من 125 إلى 127 من قانون المحاكم الإدارية ويكون بنفس إجراءات وقف تنفيذ القرارات الإدارية. لذلك فدعوى وقف التنفيذ تقدم خلال 15 من تاريخ التبليغ أمام محكمة الاستئناف الإدارية التي تقبل بدورها الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة في ميعاد 15 يوم ويكون ذلك في ثلاث حالات وهي: 1- عندما يرفع الاستئناف من غير المدعي في الدعوى الابتدائية ويخشى من التنفيذ خسارة تلحقه لو قبل استئنافه. 2- الاستئناف في حكم يتضمن التصريح بإلغاء قرار إداري وظهور دفوع جدية تبرر إلغاء الحكم. 3- بطلب من المدعي إذا كان التنفيذ سيؤدي إلى نتائج يصعب إصلاحها وأن تكون الدفوع المقدمة جدية تبرر إلغاء الحكم1 (جدید3).
وهو ما نصت عليه أحكام مجلس الدولة الفرنسي في العديد من القرارات منها حكم Frogney (فروني) بتاريخ 1986/12/19 وحكم Deligant (دي لي قانت) بتاريخ 1993/03/12. أما في مصر فقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 أخذ بالأثر غير الموقف بالنسبة لجميع أنواع الطعون. وعلى كل الأحكام فالمادة 50 منه تنص على أنه: “لا يترتب على الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه إلا إذا أمرت المحكمة بغير ذلك بتوفر الشروط اللازمة لوقف تنفيذ القرار الإداري والمتمثلة في ضرورة توفر الجدية والاستعجال” بالإضافة لشرط عدم البدء في التنفيذ للحكم المراد وقف تنفيذه2 (جدید3). فالأحكام الصادرة من الجهات القضائية الإدارية في الجزائر فرنسا ومصر تكون واجبة النفاذ منذ صدورها بعد الحصول على الصيغة التنفيذية لأن طرق الطعن ليس لها أثر موقف. كما أن الحكم بوقف التنفيذ ما هو إلا استثناء على هذا الأصل لا تلجأ إليه المحكمة التي تنظر في الطعن في الحكم إلا بتوفر شروطه. لذلك لابد من العودة إلى الأخذ بأسلوب الأثر الواقف للطعن في الحكم الصادر في الدعوى الإدارية بمعنى أنه بمجرد الطعن يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وذلك لتفادي آثار التنفيذ إذا ما حدث ذلك وتم إلغاء الحكم المطعون فيه3 (جدید3). إلا أنه وفيما يخص الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرارات الإدارية فإنه من الأجدر أن يبقى لطرق الطعن فيها أثر غير واقف لأنها أحكام قررت للحفاظ على مصالح الأفراد عندما تكون الإدارة مدعى عليها بغرض تفادي النتائج الوخيمة التي تترتب على تنفيذ القرار الإداري والتي يصعب تداركها لو حكم بإلغاء القرار المطعون فيه عند نظر دعوى الإلغاء. فهي إذن وسيلة وضعها المشرع لوضع حد أمام حق التنفيذ الجبري الذي تملكه الإدارة لتنفيذ قراراتها الإدارية في مواجهة الأفراد المخاطبين بها. كما أن وقف تنفيذ الحكم الذي قضى بوقف تنفيذ القرار الإداري يعيدنا لا محالة إلى الحالة التي كنا عليها قبل رفع دعوى وقف التنفيذ وبالنتيجة تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه. وعليه فإن فهم مدى قابلية الأحكام الصادرة بوقف التنفيذ لوقف التنفيذ يعتبر أمرًا دقيقًا.
المراجع:
- ما عدى المعارضة وفق نص المادة 955 ق.إ.م.أ فإنها لها أثر موقف للتنفيذ ما لم يؤمر بخلاف ذلك.
- تنص المادة 908 ق.إ.م.أ على أنه: “الاستئناف أمام مجلس الدولة ليس له أثر موقف”.
- تنص المادة 909 ق.إ.م.أ على أنه: “الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة ليس له أثر موقف”.
- تنص المادة 911 ق.إ.م.أ على أنه: “يجوز لمجلس الدولة إذا أخطر بعريضة رفع وقف التنفيذ المأمور به من طرف المحكمة الإدارية، أن يقرر رفعه حالا، إذا كان من شأنه الإضرار بمصلحة عامة أو بحقوق المستأنف، وذلك إلى غاية الفصل في موضوع الاستئناف”.
- الدكتور مسعود شيهوب، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 518.
- لحسين بن الشيخ أث ملويا، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 518. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- موسوعة الفكر القانوني، العدد 5، ص 60، تعليق على قرار مجلس الدولة المؤرخ في 2006/06/26 قضية م أ ضد والي ولاية تلمسان. الأستاذ قمراوي عزالدين.
- لحسين بن الشيخ أث ملويا، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 111 و114. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- لحسين بن الشيخ أث ملويا، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 110. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- الدكتور مسعود شيهوب، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 519 و520. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- الدكتورة شادية إبراهيم المحروقي، الإجراءات في الدعوى الإدارية دراسة مقارنة، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 2005، ص 324.
- الدكتورة شادية إبراهيم المحروقي، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 325. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
Add comment