
نطاق اعمال وقف التنفيذ للقرارات الإدارية: الحدود والارتباطات
إن نطاق اعمال وقف التنفيذ للقرار الإداري أمام الجهات القضائية الإدارية بصفة عامة هو نطاق ضيق ومحدود جدا بالنظر إلى الطبيعة الإستعجالية لهذا الإجراء وكذلك إلى النتائج التي يرتبها عند الحكم به فأغلب التشريعات التي تأخذ بهذا النظام لم تجعله مفردا ومعزولا عن باقي الطلبات القضائية أو الدعاوى الإدارية التي يمكن بصدورها أن تنشأ في مخاصمة القرار الإداري المراد وقف تنفيذه.
ومن المتعارف عليه في القضاء الإداري أن الدعاوى الإدارية التي يمكن أن تنشأ في مخاصمة عمل الإدارة القانوني هي دعوى الإلغاء ودعوى فحص المشروعية والدعوى التفسيرية ودعوى القضاء الكامل.
الدعاوى الإدارية المختلفة ونطاق اعمال وقف التنفيذ
لفهم نطاق اعمال وقف التنفيذ لا بد من استعراض أنواع الدعاوى الإدارية الرئيسية:
- دعوى الإلغاء: التي يعرفها الفقه أنها من الدعاوى الموضوعية كون أن القاضي الإداري المرفوعة أمامه الدعوى ينظر في موضوع القرار في حد ذاته من حيث مشروعيته ومدى التزام الإدارة بالقواعد القانونية المنظمة بصدور ذلك القرار وذلك بالقول إن كان ذلك القرار مشوبا بعيب من العيوب الموجبة للإلغاء ويقرر حينها بإلغائه وإن كان سليما مشروعا فيبقي على نفاذه.
- دعوى فحص المشروعية: فهي تلك الدعوى التي يطلب فيها من القاضي القول أن ذلك القرار مشروعا أو غير مشروع دون الحكم بإلغائه في الحالة الثانية لأن مضمون هذه الدعوى لا يتعدى أن يكون إبداء الرأي حول قانونية العمل الإداري من عدمه.
- الدعوى التفسيرية: فهي تلك الدعوى التي يطلب فيها من القاضي الإداري تفسير إبهام أو غموض في قرار إداري بشأن نقطة قانونية معينة وهي من الدعاوى النادرة في القضاء الإداري وبخاصة الجهات القضائية الإدارية في الجزائر.
- دعوى القضاء الكامل (دعاوى المسؤولية): بالإضافة إلى الأنواع الثلاث التي سبق ذكرها من الدعاوى الإدارية هناك نوع رابع من الدعاوى الإدارية وهي دعوى القضاء الكامل أو ما يعرف في القضاء الإداري بدعاوى المسؤولية التي مضمونها طلب إلزام الإدارة بالتعويض عن تصرفاتها المادية بالخصوص والتي أحدثت ضررا للأشخاص كون أن موقف الإدارة منها كان ايجابيا وغالبا ما يكون تدخلا ماديا لا يمكن مخاصمته بدعاوى موازية مثلا كدعوى الإلغاء مثلا كون أن الغرض من إرادة الإدارة قد تم وذلك بإحداث النتيجة ولم يبق للطرف المتضرر سوى اللجوء إلى القاضي الإداري لطلب التعويض عن ذلك والقاضي الإداري هنا تطبيق مختلف النظريات المدنية الخاصة بنظام المسؤولية. وتجدر الإشارة هنا أنه في فرنسا هذا النوع من الدعاوى أصبح من اختصاص القاضي المدني كون أن الإدارة في هذه الصورة تتصرف كشخص طبيعي غير متمتع بامتيازات السلطة العامة الذي يعتبر المعيار الأهم في منح الاختصاص للقاضي الإداري من عدمه – Attributif de compétence.
وإذا كان نظام وقف التنفيذ هو اختصاص أصيل بقاضي الاستعجال كونه إجراء استثنائي عن الأصل – نفاذ القرار الإداري – فإنه لا يمكن تصور دعوى وقف التنفيذ أمام القاضي الاستعجالي تهدف إلى وقف آثار ذلك القرار دون أن تكون مقترنة بدعوى أخرى كون أن العبرة من نظام وقف التنفيذ هو تدارك أية نتيجة لا يمكن تداركها مستقبلا من قرار يحتمل أنه أو يشتبه أنه معيب ويمكن إلغاؤه. فالقاضي الاستعجالي الإداري الذي يأمر بوقف تنفيذ قرار إداري دون أن يكون هذا الأخير محل دعوى إدارية موضوعية يكون قد كرس مبدأ تعطيل الإدارة عن هدفها وهو المصلحة العامة دون سبب جدي ودون مبرر قانوني لأنه لا يمكن تصور أمر بوقف تنفيذ لوحده لكي لا يطرح السؤال التالي: ما مدى وما هو عمر هذا الأمر؟ إلى أي زمان يبقى نافذا؟ أو بعبارة أخرى: إلى متى تبقى أعمال الإدارة موقوفة النفاذ؟ هذا هو جوهر تحديد نطاق اعمال وقف التنفيذ.
وهذا ما سنعالجه في هذا المبحث من خلال مطلبين:
المطلب الأول: دور دعاوى الإلغاء في تحديد نطاق اعمال وقف التنفيذ
كما سبق ذكره فإن الدعاوى الإدارية تنقسم إلى دعوى إلغاء ودعوى فحص مشروعية ودعوى تفسيرية ودعوى القضاء الكامل وكما هو معروف فإن طلب وقف التنفيذ يكون في حالة الاستعجال كونه إجراء مؤقت واستثناء على القاعدة إلا أن مختلف الأطر القانونية جعلته مقترنا بدعوى إدارية أخرى للأسباب التي سبق بيانها فما هي الدعوى الإدارية التي يمكن من خلال ممارستها طلب وقف التنفيذ؟ إن نطاق اعمال وقف التنفيذ يضيق هنا.
إن طلب وقف التنفيذ من خلال مضمونه اتفقت جل التشريعات في كونه أنه طلب ناجم عن تضرر الأفراد من الأعمال القانونية للإدارة من خلال إصدارها لقرارات إدارية في مواجهتهم يحتمل أنها غير مشروعة وسببت لهم ضررا ونظرا لاكتساب القرار الصادر عن السلطة الإدارية الطابع التنفيذي فإن طلب وقف التنفيذ يكون الوسيلة الأمثل لدرء هذه القرينة أو الخاصية.
فإذا كانت الأعمال القانونية للإدارة في مواجهة الأفراد والتي سببت ضررا يمكن مخاصمتها أمام القضاء الإداري في إطار دعوى الإلغاء التي هي الضمان الوحيد للأفراد لمسايرة أعمال الإدارة للقانون ومراقبتها من طرف القاضي الإداري إلا أن هذه الأخيرة تبقى نافذة في حقهم فالإطار الأمثل لطلب وقف التنفيذ هو أثناء ممارسة دعوى الإلغاء إلى حين الفصل في مدى مشروعية القرار من عدمه. فالطلب يكتسي طابعا تحفظيا وقتيا مرتبط ارتباط وثيق بدعوى الإلغاء خاصة من خلال تزامنه معها وانتهائه بالفصل في دعوى الإلغاء. ففي الجزائر فبصدور القانون 08 – 09 المتضمن قانون الإجراءات الإدارية والمدنية وفي المادة 833 منه التي نصت في فقرتها الثانية على إمكانية وقف تنفيذ القرار الإداري وذلك في إطار الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الإدارية. ويُظهر هذا كيف أن نطاق اعمال وقف التنفيذ وثيق الصلة بدعوى الإلغاء.
كما أضافت المادة 834 من نفس القانون أن الطلبات الرامية إلى وقف التنفيذ تقدم بدعوى مستقلة بمعنى أنه يمكن طلب وقف التنفيذ من قاضي الموضوع بالإضافة أن هذا الاختصاص لقاضي الإستعجال وكذلك عبارة مستقلة التي يفهم منها أنه لا يمكن أن يكون طلب وقف التنفيذ بصفة معزولة وأن يكون أصل الخصومة القضائية الإدارية بل هي دعوى فرعية وهذا ما ذهبت إليه الفقرة الثانية من نفس المادة.
لكن المشرع الجزائري أفرد استثناءا على إزدواجية الدعوى والتزامها بالدعوى الموضوعية وذلك بإمكانية أن تكون لاحقة للتظلم المشار إليه في المادة 830 من نفس القانون والتظلم هنا لا يعد دعوى قضائية حتى بالمفهوم الواسع لها وهنا حسب رأينا المتواضع هو تساهل مع الإدارة ووضعها في مرتبة القاضي الإداري الذي هو منوط لمراقبتها.
والإشكالية المطروحة من طرف هذا التعبير القانوني حسب رأي هو مدى وقف التنفيذ وقيمته القانونية وامتداده الزماني.
فإذا كان الأمر إذا كانت دعوى وقف التنفيذ قد تفرعت عن دعوى إلغاء موضوعية قد فصلت فيه المادة 919 ق إ م إ التي نصت على انتهائه بالفصل في الدعوى الموضوعية فلا نجد في المقابل المدى الزماني لوقف التنفيذ إذا تفرع عن التظلم الإداري المسبق؟ حسب رأينا فإن وقف التنفيذ المأمور به في هذه الحالة ينتهي بالرد الصريح من الإدارة كون أن الحالة الأولى إذا تفرع عن دعوى قضائية ينتهي بانتهاء الدعوى بصدور حكم فاصل فيها.
المطلب الثاني: استبعاد الدعاوى الادارية الأخرى من نطاق اعمال وقف التنفيذ
فإذا كان اقتران دعوى وقف التنفيذ بدعوى الإلغاء كون أن هذا النظام كما سبق التطرق إليه هو استثناء على القاعدة لمواجهة شبهة عدم مشروعية القرار وكبح نفاذه الذي يمكن أن يرتب آثارا لا يمكن درءها بعد مخاصمته بدعوى موضوعية التي يمكن أن يكون حكمها بدون موضوع بعد ترتيب هذا القرار لآثار وتغيير في مراكز قانونية وهذا في إطار دعوى الإلغاء التي تقوم على فكرة جوهرية هي الضرر فالفقه الإداري يرى أن القرار الذي لا يسبب ضررا لا يمكن الطعن فيه بالإلغاء بل أكثر من ذلك فهناك من اعتبره أساس العمل القضائي الإداري وعليه فإن الدعوى الإدارية القضائية التي لا يكون مضمونها احتمال وقوع الضرر أو وقوعه فعلا أو الهدف منها هو استبعاد ذلك لا يمكن تصور أن تتفرع عنها دعوى وقف التنفيذ.
فالدعوى التفسيرية الرامية إلى تفسير غموض أو إبهام في قرار إداري في مضمونها هي دعوى كما سبق الذكر دعوى إبداء الرأي من حيث مطابقة هذا القرار للقانون أو لا فشبهة إلغائه لا تزال بعيدة كذلك بالرجوع إلى القواعد العامة المانحة للاختصاص هي عدم توفر عنصر الاستعجال الذي حسب رأي يستنبط من الضرر الحاصل الذي لا يمكن تصوره في الدعوى التفسيرية التي لا يمكن للقاضي الإداري إلغاؤه المشرع الجزائري كان واضحا في هذه النقطة بخصوص استبعاد الدعاوى الإدارية الأخرى وهذا ما يفهم من نص المادة 834 فقرة ثانية التي نصت “….. أو في حالة التظلم المشار إليه في المادة 830 أعلاه ” أي أن الدعوى المرفوعة في الموضوع هي دعوى الإلغاء كون أن التظلم لا يكون سوى في دعاوى الإلغاء.
وكذلك ما نصت عليه المادة 919 ق إ م إ فيما يتعلق باختصاصات وسلطات القاضي الاستعجالي وأنه : ” إذا كان الأمر يتعلق بقرار إداري ولو بالرفض ويكون موضوع طلب إلغاء كلي أو جزئي لقاضي الاستعجال أن يأمر بوقف تنفيذ هذا القرار…” فاختصاصات القاضي الاستعجالي هنا في مجال طلب وقف التنفيذ محصور ومحدد ومرتبط بطلب إلغاء وأن يتفرع عنه هذا الطلب الذي يعتبر وليد دعوى الإلغاء1.
المراجع:
- قضية بلدية الشراقة، الشركة ذات المسؤولية المحدودة “الدار الدولية” سيدار ضد ق. ف، ة ق. ج)، الغرفة الادارية بمجلس قضاء البليدة، قرار رقم 89500 / 09 بتاريخ 27 ماي 2010.
Add comment