مدون للمقالات الأكادمية

حالات وقف تنفيذ القرار الإداري: الأسس والتطبيقات القضائية

حالات وقف تنفيذ القرار الإداري: الأسس والتطبيقات القضائية

حالات وقف تنفيذ القرار الإداري: الأسس والتطبيقات القضائية

نظرا لعدم وجود نظام مماثل للقضاء المستعجل في القضاء الإداري فقد تم الأخذ بنظام وقف تنفيذ القرارات الإدارية المطعون فيها بالإلغاء إذا ما توافرت شروط معينة تقنع المحكمة بالحكم بوقف التنفيذ ووفقا إلى الجهات القضائية الإدارية المختصة سواء كانت المحاكم الإدارية أو مجلس الدولة. يعرف قضاء المنازعات المدنية والتجارية نظام القضاء المستعجل الذي يتميز عن القضاء العادي بخصيتين أساسيتين تتمثل الأولى منهما في ضرورة توافر عنصر الاستعجال في المسألة المطروحة أمام المحكمة أما الخاصية الثانية فتتجسد في أن الحكم الصادر في هذا القضاء وقتي لا يمس الموضوع ولا يؤثر على أصل الحق. وتشمل الأمور التي لها صفة الاستعجال المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت من جهة وكذلك المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات التنفيذية من جهة أخرى. وإن الأخذ بهذا النظام إنما بغرض تحقيق أهداف معينة يتمثل أهمها في وقف نتائج يتعذر تدارك أضرارها إذا ما تم تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء من جانب الإدارة وإلا لن تكون هناك فائدة لحكم يصدر بإلغاء قرار إداري تم تنفيذه وأنتج كل آثاره. وكانت هذه الأهداف هي الدافع وراء تطبيق نظام وقف تنفيذ القرارات الإدارية التي رفعت دعاوى بطلب إلغائها أمام القضاء الإداري كاستثناء هام على قاعدة نفاذ القرارات الإدارية1. وكان لزاما علينا التطرق إلى حالات وقف تنفيذ القرار الإداري التي يمكن للقاضي الإداري أن يأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري الذي يعرف بأنه: “ذلك العمل القانوني الصادر عن الإدارة ويتمتع بالقوة التنفيذية وذلك بالآثار القانونية التي يؤثر بها على المراكز القانونية للأفراد2“.

المطلب الأول: القرارات الإدارية التي يجوز وقف تنفيذها ضمن حالات وقف تنفيذ القرار الإداري

القاعدة العامة في هذا المجال أنه لا يقبل وقف التنفيذ إلا بالنسبة للقرارات الإدارية التي يجوز الطعن فيها بالإلغاء أي أن القرارات الإدارية التي يطعن فيها بالإلغاء هي التي يجوز وقف تنفيذها1 (جدید). ويجب أن نكون بصدد قرار إداري وليس بصدد عمل مادي كالقرارات المعدومة. كما يتعين أن يكون القرار نهائيا فالقرارات في مراحلها التحضيرية التي تتطلب لنهائيتها التصديق عليها من سلطة أعلى لا تقبل الطعن بالإلغاء ومن ثم لا يجوز وقف تنفيذها2 (جدید).

ويكون من اختصاص قاضي الموضوع الناظر في الدعوى الإستعجالية الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري إذا شكل هذا الأخير تعديا أو استيلاء أو غلقا إداريا حتى ولو لم يكن هناك قرار إداري سابق وقد نصت على ذلك المادة 921 ق إ م إ3. فحسب هذه المادة يجوز لقاضي الموضوع الناظر في القضايا الإستعجالية الأمر بوقف تنفيذ قرار إداري حتى إذا لم يكن هناك قرار إداري سابق في حالة التعدي الاستيلاء أو الغلق الإداري أو في حالة وجود قرار إداري موضوع طلب إلغاء كلي أو جزئي طبقا لنص المادة 919 من ق إ م إ أو وفق حالات أخرى كما سنبين ذلك في الفروع أدناه. هذه هي أبرز حالات وقف تنفيذ القرار الإداري.

الفرع الأول: وقف تنفيذ القرار الإداري في حالات التعدي الاستيلاء والغلق الإداري

لقد نصت على ذلك صراحة الفقرة الأخيرة من المادة 921 ق إ م إ بقولها: “…وفي حالة التعدي أو الاستيلاء أو الغلق الإداري يمكن أيضا لقاضي الاستعجال أن يأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه”4.

وقبل ذلك كان الاجتهاد القضائي قد كرس قضاء استعجاليا غزيرا في مادة التعدي وبشكل أقل بروزا في مادتي الاستيلاء والغلق. وهكذا فالقرار الإداري الذي لم يكن تطبيقا لنص قانوني ويصدر على سبيل الازدراء لقرار قضائي في طريق التنفيذ يشكل تعديا الأمر الذي يستوجب وقف تنفيذه وأن القرار المشوب بلامشروعية صارخة هو الذي يشكل عند تنفيذه تعديا. أما بالنسبة إلى الاستيلاء فتطبيقاته القضائية قليلة وقد نظمه المشرع في أحكام القانون المدني. ويمكن أن ندرج ضمن حالات وقف تنفيذ القرار الإداري بالتعدي ما نصت عليه المادة 920 ق إ م إ بحيث أنه يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمر بأي تدبير من شأنه حماية الحريات الأساسية وقمع تعدي الإدارة عليها حيث نصت المادة 920 ق إ م إ على أنه: “يمكن لقاضي الاستعجال عندما يفصل في الطلب المشار إليه في المادة 919 ق إ م إ أعلاه إذا كانت ظروف الاستعجال قائمة أن يأمر بكل التدابير الضرورية للمحافظة على الحريات الأساسية المنتهكة من الأشخاص المعنوية العامة أو الهيئات التي تخضع في مقاضاتها لاختصاص الجهات القضائية الإدارية أثناء ممارسة سلطاتها متى كانت هذه الانتهاكات تشكل مساسا خطيرا وغير مشروع بتلك الحريات. ويفصل قاضي الاستعجال في هذه الحالة في أجل ثمان وأربعين (48) ساعة …”. وهكذا يتضح أن المشرع الجزائري ربط بقوة بين وقف التنفيذ وبين الاستيلاء والغلق والتعدي فالقرار الإداري الذي يشكل تعديا أو استيلاء أو يتعلق بغلق الأماكن قابل لوقف تنفيذه (استثناء من القاعدة العامة).

أولا: حالة التعدي (LA VOIE DE FAIT)

لم يحدد المشرع الجزائري مفهوم التعدي. وفي فرنسا عرف مجلس الدولة الفرنسي التعدي على أنه: “كل تصرف صادر عن الإدارة في ظروف لا يرتبط بأية صلاحية من الصلاحيات المخولة لها قانونا تنتهك بذلك حقا من حقوق الملكية العقارية أو حرية من الحريات الأساسية”. ويمكن القول أن التصرف الصادر عن الإدارة يشكل تعديا كلما كان لهذا التصرف فيه مساس بحق الملكية أو إحدى الحريات الأساسية وغير مرتبط بأي صلاحية من الصلاحيات التي تتمتع بها الإدارة في ممارسة سلطاتها وأن فعل التعدي يتعلق بالعقارات أو المنقولات1 (جدید2).

وقد ساير الاجتهاد القضائي الجزائري التعريف الذي توصل إليه مجلس الدولة الفرنسي لحالة التعدي. وهكذا فإن قيام الوالي بطرد مستأجرة من الشقة التي تشغلها بصفة قانونية ومنحها إلى شخص آخر بموجب قرار صادر عنه يشكل تعديا يستوجب رفعه لأن الطرد من المساكن لا يكون إلا بموجب حكم قضائي2 (جدید2). وفي مجال الحريات العامة يعتبر الاجتهاد القضائي المساس بحرية التنقل المنصوص عليها دستوريا بمثابة تعدي يستوجب رفعه من قبل قاضي الموضوع الفاصل في القضايا الإستعجالية.

وتعد أبرز صور الاعتداء المادي الذي تقوم به الإدارة إلا أن هناك من الفقهاء من يذهب إلى استبدال تسمية “التعدي” إلى “الاعتداء المادي” على اعتقاد أن هذه التسمية “الاعتداء المادي” تتماشى أكثر وتتلاءم مع مفهوم الاعتداء المادي بمعناه الواسع وتبرز المخالفة الجسيمة للقانون3 (جدید2) إلا أننا نرى أنه من الصواب أن نميز بين الاعتداء المادي كونه له مدلول واسع يشمل عدة مفاهيم أخرى بما فيها التعدي كونه نظرية مستقلة وله شروطه الخاصة. ويعرف التعدي بأنه مادي يصدر عن الإدارة ومشوب بلا مشروعية صارخة ويشكل مساسا بالملكية الخاصة أو بحقوق أساسية للأفراد. وكذلك نكون أمام حالة تعدي عندما ترتكب الإدارة أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي مخالفة جسيمة من شأنها المساس بحق أو حرية عمومية1 (جدید3). أما على الصعيد القضائي فقد عرفه مجلس الدولة الفرنسي في قرار له صادر بتاريخ 1949/11/18 بأنه: “تصرف متميز بالخطورة صادر عن الإدارة والذي بموجبه تمس هذه الأخيرة بحق أساسي أو بالملكية الخاصة”2 (جدید3).

وبصفة عامة فالفقه والقضاء وإن اختلفت صياغتهم في تعريف حالة التعدي إلا أنها تصب في معنى واحد ومحدد بنفس الشروط وهي: 1- أن يكون تصرف الإدارة مشوب بلا مشروعية صارخة ويتمثل هذا الشرط في كون الإدارة تقوم بالتصرف المادي مخالفة القانون مخالفة صارخة ويتم التمييز في هذه الحالة بين3 (جدید3): قيام التعدي لانعدام القانون إذ قد تقوم الإدارة بتصرف مادي لا يمكنها إسناده إلى نص قانوني أو أنها استندت في إصدارها للقرار محل التنفيذ إلى نص قانوني قد لا يدخل ضمن صلاحياتها وهو ما يطلق عليه بالتعدي الناشئ عن القرار الإداري4 (جدید2). أما الحالة الثانية من التعدي فهي حالة انعدام الإجراءات أو التعدي الناشئ عن التنفيذ الجبري للقرار الإداري وذلك متى لجأت الإدارة إلى التنفيذ الجبري في حالات يمنع فيها القانون اللجوء إليه5. 2- أن يمس بالحقوق الفردية: حيث أن حالة التعدي لا تقوم بداهة إلا إذا مس التصرف الصادر عن جهة الإدارة بحق من الحقوق الفردية العديدة والمتنوعة مثل: حق الملكية حق حرمة المسكن6 وحق حرية التنقل7. وإن صلاحيات الإدارة في مجال النظام العام لا ينبغي أن تمارس إلا في إطار القوانين واللوائح دون المساس بالحريات الفردية. إن تصرف الإدارة بسحبها جواز السفر من المدعي في غياب قرار يمكنه من تحريك دعوى الإلغاء لا يمكن إلا أن يكيف على أنه تعديا8. غير أن المحكمة العليا في حالات نادرة خرجت عن هذا المسلك العام وجنحت نحو تضييق مفهوم التعدي ففي قرارين منعزلين ذهبت إلى أنه لا يمكن التمسك بالتعدي عندما تقوم الإدارة بتنفيذ عمل بالقوة غير مرتبط بتطبيق نص تشريعي أو تنظيمي ومن شأنه أن يمس بحرية أساسية أو بحق الملكية. ويؤكد قرار ثاني صادر في نفس الفترة الزمنية هذا الاجتهاد المنعزل فيقرر أنه لا مجال لاختصاص القضاء المستعجل في القضايا التي تتخذ فيها الإدارة قرارات إدارية غير أن هذا الاجتهاد معيب لأنه لا يمكن قصر التعدي على العمل المادي للإدارة فقط دون القرارات غير المشروعة في حالة تنفيذها1 (جدید4).

ثانيا: حالة الاستيلاء

يعرف الاستيلاء لغة بأنه: “نزع عقار يوجد في حيازة شخص من طرف الإدارة” ويعرفه الاجتهاد القضائي الفرنسي على أنه “كل مساس من طرف الإدارة بحق الملكية العقارية لأحد الخواص في ظروف لا يكون هذا الاعتداء فعلا من أفعال التعدي”2 (جدید4). إلا أنه قد يكون الاستيلاء مشروعا مثل ما هو عليه الحال بالنسبة للتسخيرة التي تناولها القانون المدني في المادة 679 وكذا نزع الملكية للمنفعة العامة طبقا للقانون. وتبعا لذلك فإن الاستيلاء على خلاف التعدي لا يرد إلا على العقارات في القانون الفرنسي بينما قد ينصب أيضا طبقا للقانون الجزائري على الأموال مهما كانت نوعها عقارات أو منقولات وكذا على الخدمة. ولكي نكون بصدد الاستيلاء غير المشروع يجب أن يتوفر شرطان: – أن يكون هناك تجريد من الملكية أي نزع اليد وليس مجرد حرمان بسيط من التمتع. – عدم مشروعية الاستيلاء ونكون أمام هذه الحالة إذا صدر الاستيلاء بموجب أمر شفوي (المادة 680 قانون مدني جزائري) وإن يصدر أمر الاستيلاء من سلطة غير مختصة (المادة 680 فقرة 2 مدني جزائري)3 (جدید4).

ومنه بالإضافة إلى حالة التعدي فقد نص المشرع الجزائري على حالة الاستيلاء وتأصيلا لدراسة ومعرفة حالة الاستيلاء نرجع إلى نصوص القانون المدني وتحديدا للمواد من 679 إلى المادة 681 مكرر 3 فنجد أن المشرع قد عرفه بأنه: “الحصول على الأموال والخدمات في حالات الاستثنائية والإستعجالية لضمان سير المرفق العمومي وقد أدرج المشرع في نفس القانون إشكال الاستيلاء وشروطه وكيفية التعويض عنه”. ينصب الاستيلاء على الأموال والخدمات والمقصود بالأموال في هذه الحالة كافة الأموال سواء كانت عقارية أم منقولة أما الخدمات فالمقصود بها الأشخاص القائمين بهذه الخدمات بحيث يجوز لإدارة أن تسخر الأفراد للقيام بأعمال داخل المرفق أو تقديم خدمات من شأنها ضمان سير مرافقها العامة. لا يجوز الاستيلاء إلا في الحالات الإستعجالية أو الاستثنائية إذ لا يمكن للإدارة اللجوء إلى الاستيلاء إلا في الحالتين المنصوص عليهما قانونا والمتمثلتين في حالتي الاستعجال أو الظرف الاستثنائي وقد نصت المادة 681 مكرر 3 من القانون المدني على عدم جواز القيام بعملية الاستيلاء خارج هذه الحالات وقد رتبت عليه جزاءات عقابية1 (جدید5). وعلى قاضي الأمور الإدارية المستعجلة أن يبحث عن مدى توافر حالة الاستيلاء لكي يأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري فإذا تبين له أن عملية الاستيلاء مشروعة وكانت طبقا للنصوص القانونية فإنه ليس من اختصاصه الأمر بوقف التنفيذ أما إذا تبين له من ظاهر مستندات القضية أن عملية الاستيلاء لا ترتبط بأي نص قانوني فإنه يجوز له في هذه الحالة الأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري وفي الغالب فإن أحكام القضاء المستعجل تعتمد في وقف التنفيذ على حالة التعدي رغم أن موضوع النزاع يتعلق بعقارات استولت عليها الإدارة2 (جدید5).

ثالثا: حالة الغلق الإداري

لقد أدرج المشرع الجزائري حالة الغلق الإداري كحالة من الحالات التي يجوز فيها طلب وقف تنفيذ القرارات الإدارية وذلك بموجب نص المادة 921 ق إ م إ وذلك خلافا لحالتي التعدي والاستيلاء اللتان تعدان من الأعمال الإدارية المادية غير المشروعة إذ أن الغلق الإداري يعد عملا قانونيا تعمد فيه الإدارة إلى غلق محل ذو استعمال تجاري غالبا ويتخذ هذا العمل شكل قرارا يوقع جزاء أو عقوبة إدارية ومثال ذلك ما جاء في الأمر 95-06 في المادة 75 منه والتي تجيز لوزير التجارة إصدار قرار بغلق المحل لمدة لا تتجاوز 30 يوما في حالة عدم احترام صاحب المحل أحكام القانون. والغرض المنشود من إضافة حالة الغلق الإداري هو حماية المواطن من تعسف الإدارة وإخضاع القرارات الإدارية الخاصة بالغلق الإداري إلى رقابة السلطة القضائية ومنحها صلاحية الفصل فيها بصفة مستعجلة لتفادي ما قد ينجم من أضرار3 (جدید5) وعليه فالمشرع يكون قد افترض عدم المشروعية في قرارات الغلق التي تصدرها السلطات الإدارية للحد من تعسف الإدارة.

الفرع الثاني: وقف تنفيذ القرار الإداري في حالة وجود قرار إداري موضوع طلب إلغاء كلي أو جزئي

نصت على هذه الحالة العامة المادة 919 ق إ م إ بقولها: “عندما يتعلق الأمر بقرار إداري ولو بالرفض ويكون موضوع طلب إلغاء كلي أو جزئي يجوز لقاضي الاستعجال أن يأمر بوقف تنفيذ هذا القرار أو وقف آثار معينة منه متى كانت ظروف الاستعجال تبرر ذلك ومتى ظهر له من التحقيق وجود وجه خاص من شأنه إحداث شك جدي حول مشروعية القرار. عندما يقضي بوقف التنفيذ يفصل في طلب إلغاء القرار في أقرب الآجال. ينتهي وقف التنفيذ عند الفصل في موضوع الطلب”. بحيث تنص هذه المادة كذلك على هذه الحالات وعلى شروط تطبيقها وهي ذات الشروط المقررة لوقف تنفيذ القرار الإداري والقضاء الإستعجالي بصفة عامة.

الفرع الثالث: وقف تنفيذ القرارات الإدارية في الحالات الأخرى

بصفة عامة فإنه يجوز للمحكمة الإدارية أن تأمر بوقف تنفيذ القرار الإداري كلما توفرت شروط وقف التنفيذ وكانت دعوى الموضوع منشورة (أي دعوى الإلغاء)1 (جدید6) ونصت على فكرة وقف تنفيذ القرارات الإدارية على سبيل الاستثناء من القاعدة العامة المتمثلة في نفاذ القرار الإداري ونصت على ذلك المادة 1/833 ق إ م إ. وعلى الرغم من أن النص هنا على وقف تنفيذ القرارات الإدارية وارد ضمن أحكام قضاء الموضوع وليس أحكام قضاء الاستعجال2 (جدید6) على الرغم من ذلك فإن الدكتور مسعود شيهوب يعتقد بأن دعوى وقف التنفيذ ينبغي أن تكون دعوى استعجالية لأن المادة 835 ق إ م إ نصت صراحة على وجوب التحقيق في طلب وقف التنفيذ “بصفة عاجلة” ويتم “تقليص الأجال”. كما نصت المادة 836 ق إ م أ على أن الفصل في وقف التنفيذ يكون “بأمر” مسبب كما نصت الفقرة الثانية من المادة 834 على أن تكون دعوى وقف التنفيذ متزامنة مع دعوى الموضوع وهذه جميعها خصائص للقضاء الاستعجالي كما سنبين ذلك لاحقا. وكذلك ينص ق إ م إ على حالة أخرى لوقف التنفيذ وهي الحالة التي يتم استئناف حكم صادر عن المحكمة الإدارية قضى برفض دعوى إلغاء قرار إداري فإنه في هذه الحالة يجوز لمجلس الدولة أن يأمر بوقف التنفيذ بطلب من المستأنف بشروط وقف التنفيذ التي نعرضها لاحقا نص المادة 912 ق إ م إ. وبطبيعة الحال فإن طلب وقف التنفيذ هنا يجب أن يتم بعريضة مستقلة ولكن بالموازاة مع عريضة الاستئناف فالمبدأ العام أن طلب وقف التنفيذ يتم بموجب عريضة مستقلة (834 ق إ م إ).

المطلب الثاني: القرارات الإدارية التي لا يجوز وقف تنفيذها ضمن حالات وقف تنفيذ القرار الإداري

هناك القرارات الإدارية المنعدمة والقرارات الإدارية السلبية التي – كقاعدة عامة – لا يجوز وقف تنفيذها كما سنبين ذلك في الفرعين أدناه. إن تحديد هذه الاستثناءات يساعد في فهم حالات وقف تنفيذ القرار الإداري بشكل أدق.

الفرع الأول: القرارات الإدارية المنعدمة

إذا صدر قرار إداري مخالف للقانون أو به عيب في الشكل أو عدم الاختصاص أو التعسف في استعمال السلطة فإن هذا القرار يكون باطلا ويجوز الطعن فيه خلال المدد التي نص عليها القانون بحيث إذا انقضت تلك المواعيد ثبت القرار واستقر المركز المترتب عنه لا بدعوى مباشرة بطلب إلغائه ولا بصفة غير مباشرة في طلب يتعرض لنتائجه. غير أنه من ناحية أخرى يعترف الفقه والقضاء بأنه متى بلغ العيب مبلغا معينا من الجسامة فإن القرار لا يكون باطلا فحسب ولا تستقر آثاره بعد فوات مواعيد الطعن والسحب بل يكون منعدما أي كأنه لم يوجد أصلا. فلا ينبني عليه مركز قانوني مهما طال الوقت ويجوز التعرض لما ينسب إليه من آثار سواء بدعوى أصلية بإعلان بطلانه أو بصفة تبعية أثناء توجيه طلبات تتعارض مع قيام هذا العمل فلا يعتصم هذا العمل ولا تستقر نتائجه بانقضاء الزمن1 (جدید7). والقرارات الإدارية المنعدمة ليست هي مجرد صدور القرار الإداري مخالفا لقواعد الاختصاص أو الشكل وإنما هي شيء أعنف من هذا أو أمعن من الخروج على القانون وهي أعمال تجريها السلطة الإدارية في مسائل لا تدخل في وظيفتها أصلا وبعيدة كل البعد عن وظيفتها. وتعتبر في هذه الحالة أعمال شخصية من الموظف الذي قام بها غير متعلقة بموضوع إداري فالقرار الذي يصدر من موظف ليست له سلطة إصدار قرارات إدارية إطلاقا هو قرار إداري منعدم2 (جدید7). إن القرار الإداري المنعدم على النحو الذي يجرده من صفته القانونية لا يتطلب لوقف تنفيذه توافر الشروط القانونية لوقف تنفيذ القرارات الإدارية الصحيحة أو المعيبة.

الفرع الثاني: القرارات الإدارية السلبية

اعتبر المشرع المصري أن صمت الإدارة لمدة معينة دون رد صريح كان يجب إعلانه بمثابة قرار إداري سلبي من جانبها يجوز الطعن فيه بالإلغاء أمام المحكمة المختصة حيث نص القانون العضوي رقم 01/98 المتعلق بمجلس الدولة في المادة 10 منه على أنه: “يعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح”. فإذا طعن في القرار الإداري السلبي بالإلغاء أمام المحكمة المختصة فهل يجوز للطاعن أن يطلب وقف تنفيذ هذا القرار الذي امتنعت الإدارة بواسطته الاستجابة إلى طلبه؟

وإن إعطاء الحق للطاعن بالإلغاء وصدور الحكم بوقف التنفيذ يعني أن القضاء قد أمر الجهة الإدارية المختصة أن تقوم بشيء محدد ويكون بالتالي قد حل محلها. ولكن موقف القضاء يختلف عن ذلك حيث قضت محكمة القضاء الإداري المصرية بوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن إعطاء المدعية شهادة بإنهاء مدة خدمتها وما يترتب على ذلك من آثار استنادا إلى أن امتناع الجهة الإدارية عن منح المدعية شهادة بإنهاء خدمتها يمثل عقبة قانونية تحول دون سفرها إلى خارج البلاد فضلا عن أن الامتناع عن إعطائها شهادة بمدة خدمتها وحالتها الوظيفية ينعكس على عملها الجديد وينطوي على محاربة لها في الرزق1 (جدید8).

أما المحكمة الإدارية العليا فقضت بأن وقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن اعتبار خدمة المهندس المكلف منتهية قبل انتهاء مدة التكليف غير مقبول لأن هذا القرار يعتبر من القرارات التي لا يقبل وقف تنفيذها2 (جدید8).

أما في فرنسا فمبدئيا لا يمكن للقاضي الإداري الأمر بوقف تنفيذ القرار المحال إليه إلا إذا كان ذلك القرار تنفيذيا وليس له سلطة الأمر بوقف تنفيذ قرارات الرفض إلا في الحالات التي يترتب فيها عن الإبقاء على تلك القرارات تعديل في الوضعية القانونية أو الواقعية التي كانت موجودة سابقا وهذا من خلال القرار الصادر عن مجلس الدولة في 23 جانفي 1970 (وزير الدولة المكلف بالشؤون الاجتماعية ضد أموروس) وبشرط أن تكون تلك الوضعية شرعية (مجلس الدولة 25 ماي 1988)3 (جدید6). وبالتالي، فإن إدراج القرارات السلبية ضمن حالات وقف تنفيذ القرار الإداري يخضع لضوابط معينة.


المراجع:

  1. الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 08.
  2. محمد براهيمي، القضاء المستعجل، ج1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2006، ص 68.
  3. الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، القضاء الإداري قضاء الإلغاء، منشأة المعارف، مصر، 1988، ص 694.
  4. الدكتور عبد الحكيم فودة، الخصومة الإدارية أحكام دعوى الإلغاء و الصيغ النموذجية لها، دار المطبوعات الجامعية، مصر، 1996، ص 343.
  5. قانون الإجراءات المدنية والإدارية. (إشارة عامة)
  6. حيث علق الدكتور مسعود شيهوب على هذه الحالة وذلك في المحاضرات التي ألقيت في مقياس المنازعات الإدارية بالمدرسة العليا للقضاء (الدفعة الثامنة عشر) بحيث تنص المادة (936 ق.إ.م.أ) على أنه غير قابل لأي طعن، فهل يعني ذلك أنه مجرد أمر على ذيل عريضة مثله مثل الأوامر على العرائض المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة (921 ق.إ.م.أ)؟ أم أن الأمر تعلق بعريضة وجاهية كأي عريضة استعجالية ولكن فقط الأمر الصادر بناء عليها غير قابل للطعن؟ إن الاجتهاد القضائي هو الذي سيفسر المادة.
  7. وزارة العدل، الندوة الوطنية للقضاء الإستعجالي، مديرية الشؤون المدنية، الجزائر، ص 167.
  8. الدكتور مسعود شيهوب، المبادئ العامة للمنازعات الإدارية، ج3، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص 505، ص 507.
  9. رشيد خلوفي، قانون المنازعات الإدارية، الجزائر، د. م. ج – 1994، هامش الصفحة 184.
  10. الدكتور مسعود شيهوب، المبادئ العامة للمنازعات الإدارية، الجزء الأول، الجزائر، د. م. ج، 1999، ص 133.
  11. رشيد خلوفي، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 186.
  12. بشير بلعيد، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 168.
  13. بشير بلعيد، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 189 وما بعدها.
  14. الدكتور مسعود شيهوب، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 134.
  15. قرار مجلس الدولة في 1999/03/08 (منشور).
  16. قرار الغرفة الإدارية – مجلس الجزائر – في 1990/07/14 (غير منشور).
  17. الدكتور مسعود شيهوب، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 507. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
  18. الدكتور مسعود شيهوب، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 508. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
  19. وزارة العدل، الندوة الوطنية للقضاء الإستعجالي، مديرية الشؤون المدنية، ص 168. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
  20. الحسين بن الشيخ آث ملويا، المنتقى في قضاء الاستعجال الإداري، دار هومة، الجزائر، 2007، ص 203.
  21. إلا أنه وما يجب التنويه إليه أن النص الفرنسي للمواد المشار إليها في القانون المدني قد أدرج لفظ la Réquisition بينما النص الفرنسي للمادة 171 مكرر من قانون الإجراءات المدنية القديم التي تقابلها نص المادة 921 ق.أ.م.أ قد قابل لفظ الاستيلاء بمصطلح L’emprise والذي يعني الغصب، والذي له نظرية مستقلة تماما عن الاستيلاء لها شروطها وأركانها، مما يثير إشكالية نية المشرع الجزائري، هل أراد بنص المادة 171 مكرر وقف القرارات الإدارية التي تنطوي على حالة استيلاء أم غصب؟. وإن الاستيلاء كما سبق البيان عمل تقوم به الإدارة ضمن الأطر التي حددها القانون لا سيما منها القانون المدني، وقانون نزع الملكية للمنفعة العمومية، وكافة النصوص التطبيقية المتعلقة به، بينما يعرف الغصب بأنه كل استيلاء تقوم به الإدارة خارج الإطار الذي حدده القانون المدني والقوانين المتعلقة بنزع الملكية، لذا فقد فضل بعض الفقه بتسمية الاستيلاء غير المشروع، إلا أن هذا التعريف قد يخلو من الدقة، بحيث لم يبين ماهية الأموال التي قد تكون محلا للغصب من قبل الإدارة. وقد عرفه الفقه الفرنسي André delaubadere بأنه “مساس الإدارة بملكية خاصة عقارية في شكل حيازة مؤقتة أو دائمة”. وعليه فيمكننا أن نفرق بين حالتي الغصب والاستيلاء، فالغصب يصيب الملكية العقارية الخاصة دون المنقولة، أما الاستيلاء فينصب على العقارات والمنقولات وحتى الأشخاص وذلك بصفة مؤقتة وذلك في إطار قوانين محددة، على عكس الغصب الذي قد يكون مؤقتا أو نهائيا خارج الأطر القانونية، إذ يدخل ضمن الأعمال المادية للإدارة الموصوفة بعدم المشروعية، ولذلك فنعتقد أن المشرع الجزائري قد أراد بمصطلح الاستيلاء المنصوص عليه في المادة 171 مكرر الأعمال المادية غير المشروعة، والتي بواسطتها تقوم الإدارة بنزع ملكية الأفراد، أي أن المصطلح الفرنسي في هذا الشأن أكثر دقة، ومن الواجب استبدال مصطلح الاستيلاء في المادة بمصطلح الغصب.
  22. لحسين بن الشيخ آث ملويا، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 204.
  23. الجريدة الرسمية لمداولات المجلس الشعبي الوطني، السنة الرابعة، رقم 262، 2001/05/09، ص 32.
  24. ولكن حتى هذه الحالات فإنه يتم الفصل فيها بصفة استعجالية أي وفق آجال مقلصة.
  25. الذي يبدأ من المادة (917 ق.إ.م.أ).
  26. مجلة مجلس الدولة المصري، السنة السابعة، مقال الدكتور مصطفى كمال وصفي، ص 246.
  27. الدكتور محمد علي راتب, الدكتور محمد نصر الدين كامل, محمد فاروق راتب، قضاء الأمور المستعجلة، ج1، ص 251.
  28. الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، وقف تنفيذ القرار الإداري، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 67.
  29. الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 69. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
  30. Christian Gabold, Procédures des tribunaux administratifs et des cours administrative d’appel, 6ed, page163.

Add comment

Follow us

Don't be shy, get in touch. We love meeting interesting people and making new friends.