
الجهات القضائية المختصة بوقف التنفيذ: تحديد الاختصاص والإجراءات
لقد أخذ المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالمعيار العضوي كمعيار أساسي لتحديد النزاع الإداري والجهة القضائية المختصة للنظر فيه ووفقا لإجراءات محددة عملا بأحكام المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية الإدارية. وهذا حسب السلطة الإدارية التي صدر منها القرار محل طلب وقف التنفيذ. وقبل البدء في عرض هذه الجهات القضائية المختصة بوقف التنفيذ علينا ولو بإيجاز توضيح مسألة جوهرية وهي مسألة الاختصاص التي فصل فيها القضاء الجزائري كما هو مبين في المطالب أدناه.
المطلب الأول: الاختصاص بنظر طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية
لم يخرج المشرع الجزائري عن القواعد العامة فيما يتعلق بالاختصاص القضائي الوارد في المادتين 800 و801 من قانون الإجراءات المدنية الإدارية وبالتالي فالقضاء الإداري هو المختص. على أن طلب وقف تنفيذ القرار الإداري لا يعد دعوى قائمة بذاتها بل هو طلب متفرع عن دعوى الإلغاء المرفوعة ضد القرار محل طلب وقف تنفيذه. وعملا بالقاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع فإن القاضي المختص بنظر طلب وقف تنفيذ القرار الإداري هو ذاته القاضي المختص بنظر دعوى إلغائه1. وهو المنطق الذي سايره القضاء الجزائري في القرار المرجعي الصادر عن مجلس الدولة (الغرف المجتمعة) بتاريخ 2004/06/15 ملف رقم 018743 (قضية بين والي ولاية الجزائر ضد ع وش ومن معه)3. ويترتب عن هذا أن القضاء بعدم الاختصاص من طرف المحكمة الإدارية المختصة بنظر دعوى الإلغاء ينسحب بالتبعية إلى ما يتفرع عنها من طلبات. إن تحديد الجهات القضائية المختصة بوقف التنفيذ يتبع هذه القاعدة.
كما أن اختصاص القضاء الإداري قائم أيضا حتى في حالات التعدي والاستيلاء والغلق الإداري وهو ما كرسته المحكمة العليا في إحدى قراراتها منها القرار المؤرخ في 1971/07/09 في (قضية حاج بن علي ضد والي ولاية الجزائر) إذ جاء في حيثيات هذا القرار: “أن قضايا الاعتداء يعود الفصل فيها إلى القضاء الإداري وليس للقضاء العادي”. وهذا على خلاف ما هو عليه الحال في القضاء الفرنسي الذي منح الاختصاص في مثل هذه الحالات للقضاء العادي.
وتجدر الإشارة إلى أن طلب وقف تنفيذ القرار الإداري بالإضافة إلى أنه يختص به القضاء الإداري فإنه يخضع لبعض الشروط المتعلقة بالدعاوى المستعجلة منها ما يرد على الإجراءات المتبعة أمام هذه الجهات المختصة ومنها ما يتعلق بعدم تجاوز القاضي الإداري سلطاته بالغوص في موضوع النزاع فيكتفي فقط بالفحص الظاهري للطلب وهذا ما أكده قرار مجلس الدولة المؤرخ في 1999/03/08 (قضية بين الوزير فوق العادة المكلف بمهمة إدارة شؤون ولاية الجزائر ضد الشركة الوطنية مصر للطيران) الذي أيد قرار مجلس قضاء الجزائر الذي قضى بإرجاع المفاتيح لشركة مصر للطيران دون إبطال قرار الوزير الذي يعود الاختصاص في إبطاله للغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر1 (جدید).
المطلب الثاني: اختصاص المحاكم الإدارية بالفصل في طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية
تعتبر المحاكم الإدارية المنشأة بموجب القانون رقم 02/98 المؤرخ في 1998/05/30 والتي حلت محل الغرف الإدارية الموجودة على مستوى المجالس القضائية التي لم يتم تنصيبها إلى حد الآن هي صاحبة الاختصاص بالفصل في طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية الصادرة عن البلديات والهيئات العمومية ذات الصبغة الإدارية عملا بالمعيار العضوي الذي جاءت به المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالإضافة إلى ما جاءت به المادة 801 من ق إ م إ. بالإضافة إلى النصوص الخاصة التي خولت الاختصاص للمحاكم الإدارية للفصل في طلبات وقف التنفيذ القرارات الإدارية على أساس أن هذا الطلب يلازم دائما دعوى الإلغاء. وتعتبر هذه المحاكم من الجهات القضائية المختصة بوقف التنفيذ الأساسية.
أما فيما يخص الإجراءات المتبعة أمام هذه الجهات القضائية فإن طلب وقف تنفيذ القرار الإداري يجب أن يقدم بموجب عريضة خاصة متميزة عن العريضة الأصلية هذا ما نصت عليه المادة 834 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وبالتالي فلا يجوز للطالب إدراج طلب وقف التنفيذ في العريضة الافتتاحية لدعوى الإلغاء. بينما جرى العمل على مستوى مجلس الدولة الفرنسي والمحاكم الإدارية على أن هذا الإجراء ليس من النظام العام إذ يجوز للقاضي أن ينبه الطالب باستيفاء هذا الشرط كما يجوز للمعني تقديم طلبات ختامية في العريضة الأصلية تتضمن التماسات بوقف التنفيذ أو تقديم هذا الطلب بموجب مذكرة لاحقة2.
فيجب إذن على طالب وقف التنفيذ حسب المادة السابقة الخيار بين طريقتين:
- تقديم عريضة أمام المحكمة الإدارية المختصة طبقا للمادتين 8333 (جدید) و834 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. بمعنى على طالب وقف التنفيذ تقديم عريضته أمام المحكمة الإدارية التي رفعت أمامها دعوى الإلغاء قبل أن تدخل القضية في جلسة المرافعة لأن أثناء تلك الجلسة سوف تكون القضية مهيأة للفصل فيها فيصبح موضوع الطلب وقف التنفيذ بدون جدوى. وإن النظر في طلب وقف التنفيذ يعود للمحكمة الإدارية بتشكيلتها الجماعية طبقا لنص المادة 1/836 ق إ م إ. والحكمة التي أرادها المشرع في ذلك هو أن ملف الموضوع وما يمثله من معطيات موجود لدى هذه الأخيرة وكذا تبسيطا للإجراءات التي يقوم بها المتقاضون. وفي هذه الحالة يجب على المعني عند تقديم طلب وقف التنفيذ أن يراعي الضوابط والقيود وشكليات تقديم العريضة الأصلية طبقا للمواد من 815 إلى 828 ق إ م إ الرامية إلى إلغاء القرار الإداري ومن بينها أن يتم تحرير الطلب في ورقة عادية وفي قضايا الضرائب تدمغ هذه الأخيرة بطابع ضريبي ويتم تحرير عدد من النسخ حسب عدد الأطراف وأن يكون الطلب مسبب تسبيبا خاصا بوقف التنفيذ بحيث يعتمد فيها الطالب على الحجج والوسائل التي تهدف إلى وقف التنفيذ. وهذا لا يمنع على الطالب الاستناد إلى الوسائل القانونية المعتمدة في العريضة الأصلية الرامية إلى إلغاء القرار محل وقف التنفيذ. وفي حالة تقديم طعن إداري سلمي ضد القرار الإداري أمام الجهة المصدرة له أو تلك التي تعلو هذه الجهة فإنه لا يجوز هنا تقديم طلب وقف التنفيذ لهذا القرار وذلك في انتظار الحل والنتيجة المنتظرة لهذا الطعن الإداري المسبق وأي طلب بوقف التنفيذ بهذا الصدد يعتبر طلب سابق لأوانه1 (جدید2).
- إما بتقديم عريضة بوقف التنفيذ أمام مجلس الدولة لكون هذا الطلب تابع لدعوى أصلية وهي دعوى الإلغاء. أما فيما يخص ميعاد تقديم هذا الطلب والتحقيق فيه فيجب الإشارة إلى أنه إذ ما تم تقديم أو رفع دعوى الإلغاء في الآجال القانونية المنصوص عليها في القانون فإن طلب وقف التنفيذ القرار الإداري لا يخضع لأي أجل أو ميعاد معين ويترتب عن ذلك أنه لا يمكن الدفع بعدم قبول الطلب لفوات مواعيد الطعن ضد القرار. وبمعنى آخر يجوز تقديم هذا الطلب خلال دخول دعوى الإلغاء مرحلة التحقيق. أما فيما يخص التحقيق في الطلب فإنه يتم حسب إجراءات التحقيق المتبعة في القضاء الإستعجالي طبقا لنص المادة 838 ق إ م إ وما بعدها باعتبارها دعوى ذات طابع استعجالي مما يستوجب على المحكمة الإدارية المختصة أن تفصل فيه على وجه السرعة بحيث تقصر كل المواعيد منها المتعلقة بتقديم الطلب أمام هذه الجهة ومنها المتعلقة بمواعيد الفصل فيها وكذا عدم اشتراط استيفاء شرط الطعن الإداري المسبق. غير أنه يجب تضمين طلب وقف التنفيذ بوصل رفع دعوى الإلغاء ضد القرار المطعون فيه وتفصل فيه المحكمة الإدارية بتشكيلتها الجماعية. وعلى القاضي الإداري المكلف بالتحقيق في الطلب أن يراعي آجال إيداع المذكرات بحيث يسمح للإدارة بالإجابة عن الطلب قبل أن تبدأ في تنفيذ القرار المراد وقف تنفيذه. بمعنى أنه يتعين على القاضي الإداري أن يراعي الوقت المحدد من طرف الإدارة من أجل تنفيذ قرارها والوقت الذي يجب أن يمنح للإدارة لتقديم ملاحظاتها فيما يخص طلب وقف التنفيذ. وهذا كاستثناء على ما استقر عليه العمل القضائي بمنح للأطراف مواعيد معقولة للرد احتراما لمبدأ المحاكمة العادلة وبالتالي يجوز للقاضي تقليص هذه المواعيد بما يمنح لنظام وقف التنفيذ من تحقيق أهدافه التي شرع من أجلها2 (جدید2). والقرار الذي يصدر بوقف التنفيذ أو برفض الطلب يكون قابلا للاستئناف أمام مجلس الدولة خلال مهلة 15 يوم من تاريخ تبليغه طبقا لنص المادة 1/950 ق إ م إ.
المطلب الثالث: اختصاص مجلس الدولة بالفصل في طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية
يعتبر مجلس الدولة درجة ثانية من درجات التقاضي في المسائل الإدارية بحيث يفصل في الطعون بالاستئناف ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية الفاصلة في طلبات وقف التنفيذ. كما أنه كذلك يختص بالفصل في طلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة المركزية بصفته قاضي أول وآخر درجة وهو ما نصت عليه المواد 09 و10 و11 من القانون العضوي رقم 01/98 المتعلق بمجلس الدولة. وحتى تتم إجراءات التداعي أمام مجلس الدولة فإنه يجب على الخصوم رفع الدعوى بواسطة محامين معتمدين لدى مجلس الدولة ونيابة المحامي إلزامية تحت طائلة البطلان غير أن الدولة معفاة من وجوب تمثيلها بمحام1 (جدید3). مجلس الدولة يعتبر من أهم الجهات القضائية المختصة بوقف التنفيذ للقرارات العليا.
وتجدر الإشارة إلى أن طلبات وقف تنفيذ القرارات التنظيمية أو الفردية الصادرة عن السلطة المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية وكذا القرارات الصادرة عن المحاكم الإدارية يختص بالفصل في طلبات وقف تنفيذها رئيس مجلس الدولة وهذا ما نصت عليه المواد 910 و911 و912 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. وبالنسبة للإجراءات المتبعة أمام هذه الجهة القضائية فقد أحالت المادة 40 من القانون العضوي رقم 01/98 إلى تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية إذ أنه لا يوجد أي تغيير من الناحية الإجرائية المعمول بها أمام المحاكم الإدارية. بمعنى أنه تتبع الإجراءات الواردة في المواد من 833 إلى 837 والمادتين 911 و912 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. وتبعا لذلك يجوز لرئيس مجلس الدولة أن يقرر بأن لا محل للتحقيق فيرسل ملف موضوع طلب وقف التنفيذ مباشرة إلى النيابة لتقديم التماساتها في أجل شهر مع جواز تخفيض هذه المهلة في حالة الاستعجال.
ولقد استقر العمل القضائي على مستوى مجلس الدولة الفرنسي على أنه حتى وإن اجتمعت شروط منح وقف التنفيذ فالقاضي غير ملزم بالاستجابة له. فالقضاء الإداري الفرنسي درج على منح القاضي الإداري صلاحية تقدير كل حالة على حدى كما فعل في القرار المؤرخ في 1976/02/13 الذي قضى برفض منح وقف تنفيذ قرار رخصة البناء الممنوحة لمقاطعة أفلين بهدف توسيع قصر عدالة فرساي2 (جدید3).
وفي القضاء الإداري الجزائري فقد استجاب مجلس الدولة لطلب وقف تنفيذ قرار إداري بصفة استثنائية لكنه دون أن ينطق في قراره بوقف التنفيذ وذلك في القرار المؤرخ في 2000/12/20 (قضية بين الشركة ذات المسؤولية المحدودة “كوديال” ضد والي ولاية وهران ومن معه). ولقد أسس مجلس الدولة قضاءه هذا على التسبيب التالي: “….حيث في هذه الظروف فإن توقيف تفريغ الباخرة منذ 2000/11/02 قد تسبب ويسبب يوميا تكاليف معتبرة تسدد بالعملة الصعبة كما أنه من المحتمل جدا أن يؤدي إلى تلف البضاعة نظرا للظروف الخاصة بتخزينها داخل الباخرة مما يجعل عنصر الاستعجال متوفر في قضية الحال ويعد قاضي الاستعجال مختص في أخذ التدابير المنصوص عليها في المادة: 918 إلى 922 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لوضع حد للأضرار الراهنة إلى حين الفصل في الموضوع”1 (جدید4).
ومهما يكن فإن توزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومجلس الدولة في مجال وقف تنفيذ القرارات الإدارية يتبع توزيع الاختصاص في دعوى الإلغاء. فالمحاكم الإدارية تختص بوقف تنفيذ القرارات الإدارية طبقا للمادتين 800 و801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ويختص مجلس الدولة بوقف تنفيذ القرارات الصادرة عن السلطة المركزية والمؤسسات العمومية المركزية طبقا للمادتين 901 و902 ق إ م إ. مما يوضح معايير تحديد الجهات القضائية المختصة بوقف التنفيذ.
المراجع:
- الدكتور بربارة عبد الرحمان، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 440.
- مجلة مجلس الدولة، العدد 05، السنة 2005، ص 247.
- لحسين بن الشيخ أث ملويا، المنتقى في قضاء مجلس الدولة، ج1، دار هومة، 2005، ص 64.
- Christian Gabold, Procédures des Tribunaux Administratifs et cours d’Appels, Dalloz, 1997 France page 166-167.
- تنص المادة 833 ق.إ.م.أ على أنه: “لا توقف الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الإدارية، تنفيذ القرار الإداري المتنازع فيه، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. غير أنه يمكن للمحكمة الإدارية أن تأمر، بناء على طلب الطرف المعني، بوقف تنفيذ القرار الإداري”.
- Christian gabold, op. cit, page 167.
- Christian gabold, op. cit, page 168.
- الدكتور بربارة عبد الرحمان، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 442، 443. (المرجع مكرر)
- Christian gabold, op. cit, page 168. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- لحسين بن الشيخ أث ملويا، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 227.
Add comment