
طرق الطعن في حكم وقف تنفيذ القرار الإداري: الإطار القانوني والتطبيقات
لقد سبق وأن أشرنا إلى أن أحكام وقف تنفيذ القرار الإداري الصادرة عن الجهات القضائية الإدارية (المحاكم الإدارية ومجلس الدولة) لا تمس بأصل الحق لطابعها الوقتي ولكن أثرها مرتبط بدعوى الإلغاء المرفوعة ضد القرار. إلا أنها بالمقابل هي أحكام قطعية بالنسبة لما فصلت فيه فهي تحوز حجية الأحكام القضائية وتعتبر مثلها لكونها تقبل الطعن استقلالا عن حكم الإلغاء الذي يصدر لاحقا لها. وعليه نتساءل هل أن حكم وقف تنفيذ القرار الإداري يقبل طرق الطعن في حكم وقف التنفيذ العادية وغير العادية؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في الفروع أدناه.
الفرع الأول: طرق الطعن العادية في حكم وقف التنفيذ
إن الحكم الصادر بوقف التنفيذ يقبل طرق الطعن في حكم وقف التنفيذ العادية، سواء صدر بصيغة الأمر الإستعجالي أو بالحكم القضائي الصادر عن المحاكم الإدارية باستثناء قرارات وقف التنفيذ الصادر عن مجلس الدولة في إطار الاختصاصات المخولة له قانونا فإنه لا يمكن الطعن فيها وأثرها متوقف على الحكم الصادر في الحكم المطعون فيه بالإلغاء أمامه.
أولا: المعارضة
إن المادة 953 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أوضحت مدى جوازية الطعن بالمعارضة في الأمر القاضي بوقف التنفيذ. لذلك نتساءل عن الأمر الصادر غيابيا لتخلف الإدارة المدعى عليها عن الحضور؟ وعليه نقول أن الأمر القاضي بوقف تنفيذ القرار الإداري غيابيا الصادر عن المحاكم الإدارية لعدم تبليغ الإدارة المدعى عليها يمكن معارضته. ونفس الشيء بالنسبة للحكم الإداري الصادر عن الحاكم الإدارية ومجلس الدولة إذا ما صدر غيابيا فإنه يقبل المعارضة خلال شهر عملا بنص المادتين 9351 و9542 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ثانيا: الاستئناف
إن الحكم الصادر بوقف تنفيذ القرار الإداري عن المحاكم الإدارية يكون قابلا للاستئناف أمام مجلس الدولة في أجل 15 خمسة عشرة يوما من يوم تبليغه طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 837 ق إ م إ السالفة الذكر. والاستئناف يكون سواء في حكم قبول وقف تنفيذ القرار الإداري أو رفضه. وهذه المهلة قررت لتوفر عنصر الاستعجال والخشية من حدوث ضرر لا يمكن تداركه ورفع الاستئناف خارج الميعاد يترتب عليه عدم قبوله شكلا لوقوعه خارج الأجل القانوني.
أما عندما يتعلق الأمر بأحكام وقف التنفيذ الصادرة عن مجلس الدولة فيما يخص المسائل التي تدخل في اختصاصه عملا بنص المادتين 800 و801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وأحكام القانون العضوي 01/98 المتعلق بمجلس الدولة فإنها تعتبر نهائية غير قابلة للاستئناف لكونها نهائية بالرغم من أنها مؤقتة. لأن أثرها مرتبط بدعوى الإلغاء المعروضة عليه. فصدور حكم برفض دعوى الإلغاء يؤدي مباشرة إلى زوال أثر حكم وقف التنفيذ الصادر عنه. هذا من جهة ولكون الاستئناف ينظر من جهة قضائية تعلو الجهة التي صدر عنها وما دام لا توجد هيئة أعلى من مجلس الدولة فإنه لا يمكن الطعن بالاستئناف في حكم وقف تنفيذ القرار الإداري الصادر عنه من جهة أخرى.
في حين أنه في فرنسا بعد إنشاء المحاكم الإدارية سنة 1953 أصبح مجلس الدولة مختصا في الطعون المقدمة ضد أحكام هذه المحاكم المتعلقة بوقف التنفيذ أو رفضه من ذوي الشأن في ميعاد 15 خمسة عشرة يوما. وبإنشاء المحاكم الإستئنافية سنة 1987 وطبقا للمادة 5 من المرسوم الصادر في 1988/05/09 المتعلق بالإجراءات الواجب إتباعها عند الطعن في أحكام هذه المحاكم أصبحت لها صلاحية إلغاء الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر عن المحاكم الإدارية عندما يتضح أنه سينتج عنه ضرر جسيم بحقوق المستأنف أو مصلحة عامة3. أما في مصر فيمكن الطعن في أحكام وقف التنفيذ من قبل ذوي الشأن ورئيس هيئة موظفي الدولة خلال 60 يوما من صدور الحكم عملا بنص المادة 212 من قانون المرافعات المصري باعتباره حكم مؤقت أثناء سير الدعوى وقبل الفصل في موضوعها ولكونه حكم قطعي يجوز الطعن فيه استقلالا. وعلى ذلك استقر اجتهاد المحكمة الإدارية العليا المصرية أن مجلس الدولة لم يميز بين الأحكام التي يطعن فيها فور صدورها وأخرى لا يجوز الطعن فيها إلا مع الحكم الصادر في موضوع الدعوى. لذلك فالمنازعة الإدارية من حيث طرق الطعن في حكم وقف التنفيذ تخضع لأحكام قانون المرافعات لاسيما المادة 378 منه1 (جدید). وإن أحكام المحاكم الإدارية يطعن فيها أمام محكمة القضاء الإداري وأحكام هذه الأخيرة والمحاكم التأديبية يطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا المصرية.
الفرع الثاني: طرق الطعن غير العادية في حكم وقف التنفيذ
نظرا لكون أحكام وقف التنفيذ وقتية ولا تمس بأصل الحق فإن طرق الطعن في حكم وقف التنفيذ غير العادية أثارت خلافا بين الفقهاء. لأن المتضرر بإمكانه المطالبة بحقوقه أمام قاضي الموضوع أثناء نظر دعوى الإلغاء ومنهم من يرى جوازها لكون المشرع لم يمنعها صراحة2 (جدید). وعليه سنتطرق لها بالتفصيل.
أولا: الطعن بالنقض
نصت عليه المادة 9563 (جدید) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ويكون في الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم الإدارية ويجب أن يكون الطعن هنا مؤسسا على أحد الأوجه الثمانية عشر المنصوص عليها في المادة 358 ق إم إ. وهذا ما نصت عليه المادة 9594 من نفس القانون. وإن مجلس الدولة ينظر في بعض القضايا بصفة ابتدائية ونهائية مثل الطعن بالبطلان في القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات المركزية وجهة استئناف للقرارات والأوامر الإستعجالية الصادرة عن المحاكم الإدارية ولاسيما فيما يخص وقف تنفيذ القرارات الإدارية. والأحكام الصادرة عن هذه المحاكم تكون قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة الذي يفصل فيها بصفة نهائية لذلك لا يتصور أن يطعن فيها بالنقض أمامه لكون القرار صادر عنه ولعدم وجود هيئة أعلى منه5. ونفس الشيء ينطبق على أحكام إيقاف التنفيذ للقرارات الإدارية الصادرة عن مجلس الدولة التي تصدر نهائيا في حدود الاختصاصات المخولة له قانونا فهي قابلة للطعن بالنقض.
ثانيا: التماس إعادة النظر
هو طريق غير عادي للطعن تعرض فيه القضية على نفس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه بالالتماس طبقا للمادة 390 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ويكون إلا في القرارات القضائية الصادرة عن مجلس الدولة طبقا لنص المادة 966 ق إ م إ وذلك عند توفر وجه من الوجهين المنصوص عليهما في المادة 9671 (جدید2) من نفس القانون. وهناك خلاف حول جواز التماس إعادة النظر في أحكام وقف التنفيذ. فهناك من يرى عدم جوازه لطبيعته المؤقتة وعدم مساسه بأصل الحق وعرضه على نفس القاضي الذي أصدره في حين البعض الآخر يرى بجوازه. لكن هل المقصود بالقرارات الصادرة عن مجلس الدولة الواردة في نص المادة 966 ق إ م إ التي تصدر ابتدائيا ونهائيا؟ أم أنها تلك التي استنفذت المعارضة والاستئناف (طرق الطعن العادية)؟ لقد صدر قرار عن مجلس الدولة بتاريخ 2003/03/11 تحت رقم 005510 جاء فيه: “أن القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي قرار صادر ابتدائيا قابل للاستئناف وبالتالي لا يقبل الطعن فيه بالتماس إعادة النظر”2 (جدید2). لكن القرار لم يتطرق لحالة فوات ميعاد الاستئناف وصيرورة الحكم “القرار” نهائي. لذلك ليس هناك ما يمنع التماس إعادة النظر في أحكام وقف التنفيذ لعدم منعه من المشرع صراحة بشرط توفر حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة 967 السالفة الذكر ورفعه في ميعاد شهرين يسري من تاريخ التبليغ الرسمي للقرار أو من تاريخ اكتشاف التزوير أو من تاريخ استرداد الوثيقة المحتجزة بغير حق من طرف الخصم وهذا طبقا لنص المادة 968 ق إ م إ. وهناك من الفقهاء من يقول وبالنظر لطبيعة حكم وقف تنفيذ القرار الإداري المؤقتة والقطعية بالنسبة لما فصل فيه لكونه يقوم على عنصر الاستعجال والخشية من وقوع الضرر الذي لا يمكن تداركه وتفاديه فإن التماس إعادة النظر غير مجدي ما دام النزاع سيعرض على نفس الجهة القضائية التي أصدرت حكم وقف التنفيذ بالإضافة إلى كون موضوع النزاع لا يزال قائما أمام نفس الجهة التي أصدرت حكم وقف التنفيذ التي تنظر في دعوى الإلغاء ضد القرار المطعون فيه. وكذا لما للإدارة من سلطة في التنفيذ الجبري لقراراتها الإدارية وفي حالة إلغاء القرار فإن ذلك يؤدي إلى قيام مسؤوليتها عن العمل المادي الذي تسببت فيه. هذا النوع من طرق الطعن في حكم وقف التنفيذ نادر الاستعمال.
ثالثا: اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
لم يبين المشرع الجزائري صراحة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية مدى جواز الطعن في الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري بواسطة إجراء اعتراض الغير الخارج عن الخصومة. ويتبين من نص المادة 9603 (جدید2) ق إ م إ أن الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ القرار الإداري لا يجوز الطعن فيها بواسطة اعتراض الغير الخارج عن الخصومة لأنها أحكام استعجالية مؤقتة لا تفصل في أصل النزاع.
المراجع:
- تنص المادة 953 ق.إ.م.أ على أنه: “تكون الأحكام والقرارات الصادرة غيابيا عن المحاكم الإدارية ومجلس الدولة قابلة للمعارضة”.
- تنص المادة 954 ق.إ.م.أ على أنه: “ترفع المعارضة خلال أجل شهر واحد (1) من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم أو القرار الغيابي”.
- الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، وقف تنفيذ القرار الإداري، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 245.
- الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 247. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- بلعيد بشير، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 277.
- تنص المادة 956 ق.إ.م.أ على أنه: “يحدد أجل الطعن بالنقض بشهرين (02) يسري من تاريخ التبليغ الرسمي للقرار محل الطعن، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.
- تنص المادة 959 ق.إ.م.أ على أنه: “تطبق الأحكام المتعلقة بأوجه النقض المنصوص عليها في المادة 358 من هذا القانون أمام مجلس الدولة”.
- بلعيد بشير، (إشارة إلى عمل سابق للمؤلف بهذا العنوان)، ص 230. (المرجع مكرر لاقتباس مختلف)
- تنص المادة 967 ق.إ.م.أ على أنه: “يمكن تقديم التماس إعادة النظر في إحدى الحالتين الآتيتين: 1- إذا اكتشف أن القرار قد صدر بناء على وثائق مزورة قدمت لأول مرة أمام مجلس الدولة، 2- إذا حكم على خصم بسبب عدم تقديم وثيقة قاطعة كانت محتجزة عند الخصم”.
- قرار مجلس الدولة، الغرفة الثالثة، صادر بتاريخ 2003/03/11 تحت رقم 005510 قضية ورثة ق.ط. ضد ك.ف. بلدية القرارة، المنشور بمجلة مجلس الدولة، العدد 3، سنة 2004.
- تنص المادة 960 ق.إ.م.أ على أنه: “يهدف اعتراض الغير الخارج عن الخصومة إلى مراجعة أو إلغاء الحكم أو القرار الذي فصل في أصل النزاع. ويفصل في القضية من جديد من حيث الوقائع والقانون”.
Add comment